173

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

تصانيف

(من الإيمان) أي من أخلاق أهل الإيمان إن قصد به تواضعًا وزهدًا وكفًا للنفس عن الفخر والتكبر لا إن قصد إظهار الفقر وصيانة المال وإلا فليس من الإيمان من عرَّض النعمة للكفران وأعرض عن شكر المنعم المنان فالحسن والقبح في أشباه هذا بحسب قصد القائم بها إنما الأعمال بالنيات (تنبيه) قال العارف ابن عربي: عليك بالبذاذة فإنها من الإيمان وورد اخشوشنوا وهي من صفات الحاج وصفة أهل القيامة فإنهم غبر شعث عراة حفاة وذلك أنفى للكبر وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع والعرف فلذلك جعلها من الإيمان وألحقها بشعبه فإن المصطفى ﷺ قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة فلذلك جعلها من الإيمان.
(حديث معاذ في صحيح الجامع) أن النبي ﷺ قال: إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إياك والتنعم فإن عباد اللّه ليسوا بالمتنعمين) لأن التنعم بالمباح وإن كان جائزًا لكنه يوجب الأنس به ثم إن هذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده فلا ينافيه ما ورد في المستدرك وغيره أن المصطفى ﷺ أهديت له حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرًا وناقة فلبسها مرة على أنه وإن داوم على ذلك فليس غيره مثله فإن المعصوم واقف على حدود المباح فلا يحمله ذلك على ما يخاف غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك وأما غيره فعاجز عن ذلك فالتفريج على تنعمه بالمباح خطر عظيم لإبعاده عن الخوف قال العارف الجنيد: دخلت على العارف السري وهو يبكي فسألته فقال: جاءته البارحة الصبية فقالت: يا أبت هذا الكوز أعلقه لك يبرد فنمت فرأيت جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء فقلت: لمن أنت قالت: لمن لا يشرب الماء المبرد فكسرت الكوز.
[*] وعد على قميص عمر ﵁ اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم.
[*] واشترى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ثوبًا بثلاثة دراهم ولبسه وهو في الخلافة وقطع كميه من الرسغين وقال: الحمد لله الذي كساني هذا من رياشه.

1 / 172