الفصيحة العجما في الكلام على حديث «أحبب حبيبك هونا ما» - سلسلة لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (10)

أحمد بن عبد اللطيف بن أحمد البربير الحسني، أبو الفيض (المتوفى: 1226 ه) ت. 1226 هجري
44

الفصيحة العجما في الكلام على حديث «أحبب حبيبك هونا ما» - سلسلة لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (10)

محقق

رمزي سعد الدين دمشقية

الناشر

دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

قلت: وبما قدَّمتُه عُلِم سببه، والمعتمد أنه اختياريٌّ ابتداء اضطراري انتهاء، وذلك كاستعمال الأفيون. وأما اشتقاقه، فقيل: من حبَّة القلب فمعنى أحببت زيدًا أصبت به حبَّة قلبي كما أن الشغف إصابة شغاف القلب، وهو غشاؤه الذي يحيط به، وقيل: هو من حباب الماء وحببه لصفائه ورقَّته. وقيل: من الحب بالضم وهو إناء كبير يوضع فيه الماء، وذلك لأنَّ الحب الذي هو ميل القلب يحتوي على الرقة واللطافة كما يحتوي حُب الماء على ذلك الجوهر اللطيف السيّال. واعلم أنَّ الحب يزداد حتى يبلغ الشغف، وهو أن يصل إلى شغاف القلب كما قدمنا، ومنه قوله تعالى: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ [يوسف: ٣٠]، أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها، فإن زاد على ذلك وجاوز الحدَّ سُمِّي عشقًا مأخوذ من شجر تسمى العشقة تعود بعد نضرتها وخضرتها معفَّرة الأوراق ثم تذبل وتصير هشيمًا تذروه الرياح، شبهوا العاشق بها في ذلك. فإن زاد العشق وأفرط كان هُيامًا وصاحبه هايم، وهو الذي لا يدري أين يتوجَّه، وحينئذ يختل نظامه ويقل كلامه ويطير كَراه من وكر جفنه وينفد دهن مصباح عقله وذهنه. فإذا انقلب والحالة هذه حبيبه بغيضًا زادت البليّه وعظمت الرزيَّة، فلذلك قال سيِّد المرشدين وإمام الهادين والمهتدين صلَّى الله علي وسلَّم وعلى مَن آلَ بالقرابة أو المحبة أو بهما إليه: " أحبب حبيبك هونا ما"، أي: مقتصدًا في المحبة لا مائلًا إلى إفراط ولا تفريط، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁: لا يكن

1 / 45