كلٌّ عند سماع مبانيه ورِقَّة معانيه أعيى من بأقل (١)، ولا بِدَع في ذلك؛ إذ كان مِن كلام مَنْ أُوتي جوامع الكِلَم واختُصِر له الكلام اختصارًا (٢)، وجعل الله تعالى القرآن العظيم كتابه، فتحدَّى بأقصر سورة منه مصاقع البُلَغاء؛ حتى أقرُّوا بالعجز عن الِإتيان بمثله جهارًا، وقالوا من دَهَشِهم من معانيه التي لا تعدُّ ولا تحصر: ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ٢٤].
وجيء إليه بلغة أبيه إسماعيل بعد اندراسها وهدم قواعدها وأساسها؛ فشيَّد بنيانها، وثبَّت أركانها، وأظهر من سعتها ما تضيق عنه صدور الفحول ولا يحيط به إلاَّ مَلَكٌ مقرَّب أو رسول، حتى كان لا
يخاطب أحدًا إلاَّ بلغة قومه من العُربان، وحسبُك في ذلك ما أتى به من غريب اللغة في حديث زبَّان (٣)؛ لأنه أغرب ما نطق به لسان ووعاه جَنَان.