9
الخيل واشتباك الرماح مشهدا.
ولما بلغ الرابعة عشرة وأجاد القراءة والكتابة، قسمت أمه وقته بين مجلسين: مجلس بين الأدباء والشعراء وعلماء الدين واللغة والتاريخ، ومجلس فوق صهوات الخيل وبين خيرة المدربين على الفروسية وأساليب الضرب والطعان. وكان من أبرز الشعراء المنقطعين لتعليمه أبو الحسن المعروف بالناشئ الأصغر، فقد أملى عليه شعره، وقرأ معه دواوين القدماء والمحدثين، وأخذ يوجهه إلى طرائق النقد، ويبصره مواطن السحر والجمال في جيد المنثور والمنظوم، وكان أبو فراس يؤثر شعر عنترة في الجاهليين، وشعر الفرزدق والكميت في الأمويين، ويروح عن نفسه بشعر كبار الشعراء العباسيين كبشار وأبي نواس والحسين بن الضحاك.
والحق أن نفسه كانت مختلفة النزعة، فبينما هي جد وصرامة وتوثب إلى معالي الأمور، إذا هي حنانة إلى اللهو العنيف، تواقة إلى التمتع بنعيم الحياة واجتلاء أسرار الجمال. والجمال مظهر من مظاهر هذا الكون تدركه النفس الشفافة وتهفو إليه، وترى فيه متعة وغذاء، والنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد ولا يجلوها إلا فترات من السرور الذي لا يخدش الفضيلة ولا يمس الكرامة.
كان الناشئ الأصغر يقرأ معه يوما بائية الكميت في مدح بني هاشم، فلما قضيا في درسها طويلا التفت إليه وقال: أقلت شيئا من الشعر جديدا؟ - لقد جال بالأمس في نفسي شعر أحسست به كأنه همسة الوحي فأسرعت إلى القلم لكتابته. فنشط الناشئ وقال: هات أبا الفراس. فأنشد:
تطالبني البيض الصوارم والقنا
بما وعدت جدي في المخايل
10
فمثلي من نال المعالي بسيفه
وربتما غالته عنها الغوائل
صفحة غير معروفة