يا سركيس!
فأجاب: أحسن من أن تكون بيضا ولا تحمل الوسخ.
وفيما هم يتناقشون أطلت دابة الآغا من رأس العقبة، وقد انتصب ميزان أذنيها حتى صار القب على العاتق، فقال الخوري حنا صادق: يخطر ببالي أن أطلب نقل عين كفاع إلى غزير، ونقل مركز القائمقامية إلى عين كفاع. كل يوم عسكرية، كل يوم مذكرات جلب ومذكرات إحضار، لا يروح غاو حتى يجيء مشتاق.
ووصل الآغا وأحكم وقفته ليؤدي التحية للضباط بإجلال ووقار، وردت الأنفار التحية، فتقنفش الآغا في الساحة كالديك الرومي يلقي نظراته على الأهالي إذا كانوا لحظوا ذلك المجد، وتلك الأبهة، وإن تلك التحية هي للآغا لا لغيره ... وعلى الأثر مشت الفرقة تسوق الكريدي؛ فابتسم فارس الآغا ابتسامة صفراء داكنة، وهز برأسه.
وقال له أحد أصدقائه: ما رأيك؟
فأجاب الآغا: أيش هو رأيي؟ ثم عرض صوته وفخم ألفاظه، وقال: المشترع ما اعتمد على ملحوظات الأونباشي، المأمور المحلي، إلا لسبب وجيه لا يعرفه إلا الراسخون في العلم، فعسكر المتصرفية أو خيالة القائمقامية اسم يفزع، أما الحقيقة فهو لا شيء. نحن نعرف الناس في بلدتنا حلة ونسبا ولا يضيع ظننا أبدا، أما هؤلاء فمن يعرفون! يه، يه، يه. فرقة عسكر تأخذ سركيس الكريدي! ثم راح يخبط على فخذيه بيديه الثنتين، ويقول: كل عمري أكربله وأمشيه قدام الدابة مثل التوتو ... ولكن خوري مسرح أراد أن يكبرها فصغرها.
فقال له الخوري: وأنت يا آغا، الله يعطينا خيرك اليوم.
فأجاب: ابن حكومي ومعه خير للناس! صدرت الأوامر بتحصيل مال الميري وجينا نبلغكم.
وقام إلى أنبوبة صنعها من تنك ليلف فيها الأوامر الحكومية، وأخرجها من الخرج، وأخرج منها أمر المدير، وبلغه لشيخ الصلح، ثم علق على ذلك بقوله: عليك يا شيخ أن تبدأ بتحصيل الميري وتسددها في ظرف شهر.
وهذا الاستعجال بقصد منه أن تقبض الضرائب قبل أن تنظف جيوب الأهالي، مما قبضوا من ثمن شرانقهم! وغب مرور نصف شهر يستحق سند الحكومة على الأهالي، فيأتي فارس آغا وفصيلته للتحصيل الإجباري. أما كيف؟ فللبنان شريعة خاصة لا ندركها ما لم نعرف الضرائب المفروضة على المواطن، والتي لأجلها ولأجل شيء آخر، قيلت الكلمة المأثورة: هنيئا للذي له مرقد عنزة في لبنان.
صفحة غير معروفة