36
تنطحه بعشرة قرون ... ولكن نطحات قرونها العشرة لا تعادل نطحة واحدة من نطحات الوحيد القرن قرياقوس.
كلهم يعزمون عليها لأنها جريدة الضيعة الناطقة. تحمل في كل ساعة خبرا جديدا. وهب أنهم نسوا وأعجبها الطعام؛ فهي لا تعدم خطة تهاجمه بها. تتوسل كل يوم بوسيلة، منها تعليم الصغار كيف يأكلون بالمثل، فتأكل ما شاءت والناس يضحكون، وتوبخهم لأنهم لا يعلمون أولادهم الأكل الحسن. وبعد أن تشبع تلتفت وتقول للصغار: هكذا كلوا المجدرة يا عمتي.
ما بلغت حنة بيت الخوري مسرح حتى طبطبت: إخيه، الدار خالية والضيعة مستريحة. ثم قرعت صدرها، وقالت: ليتها روحة بلا رجعة. الله يسعده ويبعده. والتفتت صوب الكنيسة، وقالت: بجاهك يا حبيب قلبي. وبينا هي مستغرقة في هذه الصلاة العقلية ... سمعت صوت المصلين، فصاحت: يحرز دينك يا عين كفاع، ما أحلاك! ضيعة مثل السما في غيبة خوري مسرح وقرياقوس.
وتقدمت قليلا حتى تجاوزت مار صوما - برصوما؛ كنيسة متهدمة قديمة جدا - لم تصل لها كالعادة؛ لأن خوري الضيعة أفهمها أنها كنيسة يعاقبة - هراطقة يقولون: إن في المسيح طبيعة واحدة - ولكنها تذكرت صلواتها وتأسفت على ضياعها. وتقدمت قليلا فاشتمت رائحة البخور، ففتحت منخريها وشهقت كأنها تتغذى من تلك الرائحة الذكية، ثم صرخت من أعماق قلبها تناجي المصلين: الله يقبل منكم، ويبارك في مواسمكم. ثم اندفعت في طريقها تصلي بحرارة وإيمان دونهما الوقيد.
37
وارتفع من أحد البيوت صوت آنسة تنشد: يا أم الله. فرددت حنة: يا حنونة، ومن أحن منها! لا يعرفها إلا من التجأ إليها. أنا أعرفها، خلصت بشفاعتها مئات من الأمات. هي أم، ولا يعرف ما عند الأم إلا الأم.
وما بلغت المرتلة
38
المقطع الأخير الذي ينشدونه بأقصى ما في الصوت من مدى: تشفعي فينا يا عذرا، حتى قرعت حنة صدرها قرع مهدة لصخر أصم، وهي تقول للمرتلة من بعيد: شدي شدي، الله معك. يسلم لي صوتك الحلو.
صفحة غير معروفة