فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
تصانيف
ويلي من البين ماذا حل بي وبها
من نازل البين حل البين وارتحلوا
يا راحل العيس عرج كي أودعهم
يا راحل العيس في ترحالك الأجل
إني على العهد لم أنقض مودتهم
يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا؟
فقلت له: ماتوا! فصاح وقال: ماتوا؟ وأنا والله أموت. ثم تربع وتمدد فمات لساعته، فما برحنا حتى دفناه.
فقال سليم: يا للعجب! وهل روحه في يده حتى يطلقها حين يريد؟ فقال كليم: هذه قصة محزنة عن المجانين، وقد شهدت أيضا حادثة أخرى ولكنها مضحكة، إلا أنها تدل أيضا على ذكاء هذه الطبقة التي إذا طمس الجنون عقلها فإنه يبقي على نباهتها وحدة ذهنها. وتفصيل الخبر أنني كنت ذات يوم مارا بقرية القلمون الإسلامية الكائنة على شاطئ البحر تحت دير البلمند وقلحات، فرأيت اجتماعا عظيما خارج القرية، فسألت: ما الخبر؟ فعلمت أن هنالك معتوها يضحك الأهالي منه ويجوزون له ما لا يجوزونه لسواه.
وكان هذا المعتوه يجد ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، «وكان يركب قصبة في كل جمعة يومي الاثنين والخميس، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان، فيصعد تلا وينادي بأعلى صوته: ما فعل النبيون والمرسلون؟ أليسوا في أعلى عليين؟ فيقولون: نعم، قال: هاتوا أبا بكر الصديق. فأخذ غلام فأجلس بين يديه، فيقول: جزاك الله خيرا أبا بكر عن الرعية؛ فقد عدلت وقمت بالقسط، وخلفت محمدا (عليه الصلاة والسلام) في حسن الخلافة، ووصلت حبل الدين بعد حل وتنازع، وفرغت منه إلى أوثق عروة، وأحسن ثقة، اذهبوا به إلى أعلى عليين. ثم ينادي: هاتوا عمر. فأجلس بين يديه غلام، فقال: جزاك الله خيرا أبا حفص عن الإسلام، فقد فتحت الفتوح، ووسعت الفيء، وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية، اذهبوا به إلى أعلى عليين بحذاء أبي بكر. ثم يقول: هاتوا عثمان. فأتي بغلام فأجلس بين يديه، فيقول له: خلطت في تلك السنين، ولكن الله - تعالى - يقول:
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ، ثم
صفحة غير معروفة