فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
تصانيف
بوسه ما بيحصل منك
ياللي ما تخاف من الله
يا طير فاينك طاير
قاعد براس الزعروره
جيب من حبي علامه
الله يخلي ها الصوره
ولما سئم الفارسان صوت مكاريهما أخذا في الحديث، فقال كليم: إنني أشعر بأن جوادي صار بعد الغناء أنشط مما كان قبله، فهل تظن ذلك لأنه طرب لصوت صاحبه؟ فقال سليم: دع المزاح جانبا، فإنني أنا نفسي صرت أشعر بشيء من النشاط، وذهب عني النعاس تقريبا بعد سماعي هذا الغناء، ولا شك أن ذلك من تأثير الشعر في، فقال كليم: وهل أعجبك هذا الغناء؟ فقال سليم: إن الأمر الذي أدهشني في هذا الغناء رقته وتجرده من الأقوال الباردة التي تخدش الأدب، وظاهر أن هذا الغناء غناء عامي، وهو من ملاهي الطبقات الضعيفة، فاقتصاره على وصف العواطف الحبية بكلام رقيق أدبي خال من الألفاظ القبيحة والتلميحات الفظيعة دليل مدهش على ارتقاء الآداب هنا بين العامة وصلاح نفوسها؛ لأنك تعلم أن الأناشيد العامية قد تكون أفضل دليل على أخلاق الأمم، وحقا إن من يسيح في أقطار العالم، ويشاهد قبائح بعض طبقات العامة فيه، ثم يعود إلى بلاد كهذه البلاد، ويسمع أناشيد كهذه الأناشيد يفضل آداب هؤلاء السذج على آداب كثير من عامة الغربيين المتمدنين.
وكان الجوادان قد قطعا عند هذا الكلام قرية فيع وانحدرا في سهل بطرام، فالتفت كليم إلى المكاري وصاح: يا جرجس، لم تطلع نجمة الصبح بعد، فأجاب جرجس وهو يحك رأسه بأظافره: ستطلع قريبا يا معلمي. ثم لطم كفل الجواد بيده صارخا: ديه، ديه، فقال سليم: إن سوقك الجواد يركضه هو. أما نجمة الصبح فتبقى في مكانها دون أن تركض، فركضها هي إذا قدرت. فتنهد جرجس هذه المرة. ولا شك أنه قال حينئذ في نفسه شيئا لا يحلو للرفيقين.
وبعد سكوت خمس دقائق، التفت كليم إلى سليم وسأله: على أي شيء عزمنا الآن في سفرنا هذا؟ هل نذهب إلى أهدن لمشاهدة أصحابنا فيها أم لا؟ فقال سليم: الأمر إليك، فقال كليم: بما أننا ذاهبون الآن إلى الأرز عن طريق الحدث، وهي الطريق الغربية، فإننا نعود منه عن الطريق الشرقية طريق أهدن ، فسأل سليم: إذا لا نعود إلى الحدث بعد مبارحتها؟ فقال كليم: كلا، فإن طريق أهدن مقابلة لطريق الحدث، فقال سليم: إذا يجب أن نقيم عشرة أيام في الحدث بدل الخمسة التي اتفقنا عليها؛ وذلك إكراما لصاحبنا فيها، فقال كليم: سنرى ذلك بعد وصولنا، فقال سليم: وكم يوما عزمنا على الإقامة في الأرز؟ فأجاب كليم: بقدر ما تطيب لنا الإقامة، فقال سليم: هل وزنت نفسك قبل السفر من طرابلس؟ فقال كليم: نعم، فكانت زنتي 61 أقة، وأنت؟ فقال سليم: أنا وزنت نفسي قبل سفري من بيروت فكانت زنتي 59 أقة، فقال كليم هازا رأسه: كأنما وزننا وزن طيور لرقة أجسامنا، فقال سليم ضاحكا: لا تعب الرقيق ولا تستضعفه؛ فالرعود والصواعق لا تنشأ إلا عن رقيق السحاب، فقال كليم: لا ريب عندي أنك بعد نزولك من الأرز تغير رأيك، فتمدح السمان لا الرقاق؛ لأن كل واحد منا سيزيد على الأقل 5 أقات.
وبعد نصف ساعة انقضى في سكوت تام؛ لأن كل واحد من الرفقاء الثلاثة كان يناجي نفسه، إذا بجرجس يصيح ملء صوته: الحمد لله! فقال كليم: ماذا؟ فقال جرجس: طلعت النجمة.
صفحة غير معروفة