فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
تصانيف
كلا، لم نعلمها شيئا من ذلك، بل تركناها تنغمس في الأزياء والملاهي والألعاب، صارفين فكرها عن الأمور النافعة لها ولمنزلها. هذا إذا لم نسجنها بين أربعة جدران هائلة، فأخطأنا بذلك إليها، وإلى أنفسنا، وإلى النسل والهيئة الاجتماعية كلها.
ذلك لأن إهمال تربية المرأة ذنب تقع تبعته على كل مسئول عن هذه التربية، على العائلة أولا، وعلى كل فرد ثانيا، وعلى الهيئة الاجتماعية ثالثا.
على العائلة: لأن المرأة التي هي ربتها ومدبرتها إذا كانت بلا تربية؛ فإن الجهل والإهمال والشقاء يكون سائدا فيها. وعلى كل فرد: لأن كل فرد يجب أن يمر بين يدي الأم، فإذا كانت جاهلة أساءت تربيته فكان جاهلا. وعلى الهيئة الاجتماعية كلها: لأنها مجموع الأفراد، فإذا كانوا جهالا كانت الهيئة مجموعة جهل لا غير.
فالطبيعة إذا تعاقبنا على إهمال تربية المرأة دون أن ندري بهذا العقاب.
ولكن أشد عقاب تعاقبنا به على ذلك هو العقاب الأدبي؛ فإن المرأة ملكة، كما قدمنا، ملكة وكل واحد من الرجال يخطب رضاها، فما هو رضى المرأة؟ وكيف ينال هذا الرضى؟
هنا عقدة المسألة، فإن السيكولوجيين يقولون: إن رضى الإنسان ينال بمجاراة أهوائه ومشاركته فيها، فإذا كان سكيرا وجعلت نفسك سكيرا مثله أصبحت صديقا حميما له، وربما أغنتك صداقة الكأس والطاس عن كل شيء. وهذا أمر من الأمور المشاهدة في كل يوم، إذا كان نماما فنم معه، ومحبا للتمليق فملقه، وكذابا فاكذب؛ فإنك بذلك تكتسب صداقته لا محالة. وكذلك إذا كان فاضلا وأديبا وعاقلا، فكن مثله تكتسب صداقته؛ لأنك تصيب هوى نفسه، وتكون شاعرا بعواطفه، ومن أجل هذا قال الشاعر:
إن الطيور على أشكالها تقع
فالآن والرجل محتاج إلى رضى المرأة، كما ذكرنا، احتياجا جنسيا، واحتياجا أدبيا واجتماعيا، كيف تكون حاله معها إذا كانت جاهلة لا يهنأ لها عيش إلا بالطيش، والمزاح، والإسراف، واللعب، والنميمة، والمراقص، والجمعيات، وإهمال المنزل، وإلقاء حمل الأولاد على الخدمة والمراضع؟ ألا يضطر طلبا لرضاها إلى مجاراتها في كل ذلك، فيكون طائشا مزاحا مسرفا لاعبا، وهلم جرا إلى آخر ما في دركات الهيئة الاجتماعية؟ إذا كانت امرأة تضحك من الأدب والمتأدبين في قاعة، ألا يسبقها إلى ذلك كل الشبان والرجال الحاضرين إرضاء لها؟ إذا كانت تضحك من فلانة لأنها لا تلعب، ومن فلان لأنه لا يغني ويصرخ ويمزح إضحاكا للحاضرين. ألا يصبح جميع الرجال الجالسين في ذلك المجلس صراخين مزاحين أضاحيك؟ نعم؛ لأنه يجب أن يرضوا النساء، ينبغي ألا تضجر النساء، يلزم أن تسر النساء. وهذا معنى قول روسو: «يكون الرجال كما تريد النساء، فإذا أردتم أن يكونوا عظماء وفضلاء؛ فعلموا النساء ما هي العظمة والفضيلة.»
فأنتن إذا يا سيداتنا الجميلات رئيسات الهيئة الاجتماعية، أنتن ملكات الملوك، وسلطانات السلاطين، فرحماكن لا تصرفن هذه القوة والسيادة اللتين في أيديكما إلى الأمور التافهة المضرة بكن وبالهيئة الاجتماعية، بل اصرفنها إلى الأمور المفيدة لكن ولمنزلكن وذويكن والهيئة الاجتماعية.
رحماكن! وبعيشكن أوجدن لنا عالما جديدا غير عالمكن الذي أصبح العقلاء لا يستطيعون المعيشة فيه، بل أصبحوا - واسمحن لنا أن نقول ذلك - يأنفون من المعيشة فيه. عفوا، إنهم يأنفون ذلك لا من أجلكن، فإن الورد في الرياض، والأنجم في السماء، والطيب في القارورة لا يملها إلا البله، ولا يأنف منها غير الحمقى، ولكنهم يأنفون من خشونة الذين يتخذون في تلك المجالس بساطتكن وخفة أرواحكن ذريعة لإظهار ثقل أرواحهم وفساد آدابهم.
صفحة غير معروفة