فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
تصانيف
وحينئذ صاحت صيحة من أعماق قلبها ووثبت مجفلة كأن حية لسعتها.
فأجفل المستر كلدن وعرته دهشة عظيمة فصاح: ما بك؟ ما بك؟
أما إميليا فكانت منتصبة بهياج شديد وراء المائدة ووجهها كوجوه الأموات لاصفراره.
فهال منظرها المستر كلدن وحسب أنها جنت، فصاح: بحياتك يا إميليا قولي ما بك؟
فصاحب إميليا حينئذ بصوت كصوت لبوة هوجمت أشبالها: من أوصل هذه الأوراق إلى هنا؟
فقال كلدن: هل تعرفين صاحبها؟
فصاحت إميليا: يسألني هل أعرفه؟ ومن ذا الذي لا يعرف الذئاب والوحوش الضارية؟ ماذا يريد هذا الرجل منا؟ أما كفاه أنه سمم أول حياتي فجاء الآن يسمم آخرها؟
ففهم كلدن حينئذ أن في المسألة سرا، فقال لها بلطف: عفوا يا إميليا، هدئي بالك واجلسي لنتحادث في هذا الشأن بهدوء، ولا يكون إلا ما تحبين.
فقالت إميليا: لا، لا، لا أريد أن أتكلم عن هذا الرجل، ولا أن أسمع اسمه، ولا أن أرى وجهه. حبيبي جورج، اقتلني ولا تجعل له في حياتي ذكرا بعد اليوم؛ لأنه يسمم حياتي. إنني أرى دهشتك الآن، وأعلم ماذا تقول في نفسك، إنك تقول: لم أعهد إميليا رديئة القلب إلى هذا الحد، فإنها من الذين يصفحون ويحلمون، ويحبون أعداءهم، ويباركون مبغضيهم، فما بالها الآن عمدت إلى الرداءة والخبث؟ لا، لا يا حبيبي، لست رديئة ولا خبيثة، وإنما أنا فتاة ذاقت من هذا الرجل ما لم تذقه الفرائس من الوحوش، فأنا أغتفر كل الذنوب والآثام، وأصفح عن كل الإساءات ، إلا عن إساءة هذا الوحش، وإذا كان الله يكتب علي هذه العاطفة الرديئة، فإنني أفضل دخول جهنم على الصفح عن هذا الرجل.
وكانت إميليا في حالة لو رآها رافائيل لعض أصابعه تحسرا على أنه لم يظفر بمثلها في حياته؛ ليصور بتصويرها أجمل سيدة في أجمل غضب، ولو سمعها الناصري لعلم مبلغ ظلامتها من مبلغ تأثرها، وحينئذ يقول لها: أيتها المرأة، مغفورة خطيئتك.
صفحة غير معروفة