13
لقد ذكرت آنفا سمتين من سمات الحركة، فقلت إن معظم الفنانين المعاصرين ذوي الحيوية قد تأثروا بدرجة أو بأخرى بسيزان في اختيارهم للأشكال والألوان، وإن سيزان قد بث فيهم العزيمة والإصرار على تنقية فنهم من الطفيليات الأدبية والعلمية، وأحسب أننا إذا سألنا معظم الناس أن يذكروا سمة ثالثة للحركة لأجابوا على الفور: «التبسيط»
Simplification ، وقد يبدو غريبا أن نفرد «التبسيط» كسمة مميزة لفن أي عصر بعينه ما دام التبسيط شيئا أساسيا لكل فن وبدونه لا يمكن للفن أن يوجد؛ فالفن هو خلق الشكل الدال، والتبسيط يعني تصفية ما هو دال مما لا دلالة له، ومع ذلك فقد بلغ الفن في القرن التاسع عشر من الهبوط والتدني بحيث بدا الجرم الأكبر الذي ارتكبه ويسلر
Whistler
والانطباعيون في نظر الدهماء هو إلحاحهم العنيف على التبسيط، ونحن لم نتخلص بعد من الطابع الفيكتوري ولم ننسلخ من جلده، والشمعة المستهلكة لا تزال تدخن بإنتان إلى الفجر، وبحسبك أن تلقي نظرة على أي بناء حديث تقريبا لترى حشدا من التعقيد والتفصيل لا يشكل جزءا من أي تصميم ولا يخدم أي غرض نافع، فلا شيء يبدو أكثر افتقارا إلى التبسيط من المعمار، ولن تجد أحدا يفزع من التبسيط ويمقته قدر ما يفعل المعماريون. طف بشوارع لندن، ولسوف ترى في كل صوب كتلا ضخمة من الزخرف الجاهز وأعمدة وأروقة معمدة وأفاريز وواجهات، ترفع على الأوناش لكي تتدلى من حوائط الأسمنت المسلح، المباني العامة غدت أضحوكة عامة، إنها فارغة من المعنى مثل ركام الخبث وأقل منه جمالا بكثير، ولن نشهد مبنى يتمتع بأي قيمة إلا حيثما دفعت الاعتبارات الاقتصادية إلى الاستغناء عن المعماري. إن المهندسين (الذين لديهم على الأقل مشكلة علمية ليحلوها) يخلقون في المصانع وجسور السكة الحديدية أبهى آثارنا الباقية وأجدرها بالإكبار؛ إنهم على الأقل غير خجلين من بنائهم، وهم على أية حال غير مسموح لهم بأن يخترقوه بالجمال بواقع ثلاثين شلنا لكل قدم. ولن يكون لدينا معمار في أوروبا حتى يعي المعماريون أن كل هذه الزوائد المبهرجة يجب أن تقصى بعيدا لتحل البساطة محلها، وحتى ينصرفوا إلى التعبير عن أنفسهم بمواد عصرهم - الأسمنت المسلح والزجاج - ويخلقوا بهذه الوسائط الرائعة أشكالا شاسعة وبسيطة ودالة.
لقد أمعنت الحركة المعاصرة في التبسيط وبلغت به شأوا أبعد بكثير مما بلغه مانيه
Manet
ورفاقه، وبذلك ميزت نفسها وافترقت عن أي شيء شهدناه منذ القرن الثاني عشر؛ فمنذ القرن الثاني عشر في فنون النحت والزجاج، ومنذ القرن الثالث عشر في فنون التصوير والرسم؛ أخذ التحول ينحو إلى الواقعية وينأى عن الفن، وإن جوهر الواقعية هو التفصيل، فمنذ زولا
Zola
أدرك كل روائي أن لا شيء يضفي على العمل صبغة واقعية جليلة مثل أن تدفع فيه بحشد من الوقائع الطفيلية (الخارجة عن الموضوع)، وقلما نجد من الروائيين من حاد عن هذه الطريقة وحاول أن يحذو حذوا آخر؛ فالتفصيل هو في الصميم من الواقعية، وهو الانحلال الدهني
صفحة غير معروفة