السؤال الأساسي الذي يعالجه بل
Bell
في هذا الكتاب هو: ما الصفة
quality
التي تميز العمل الفني عن الأعمال العادية والأشياء الطبيعية؟ إننا نشير إلى قطعة موسيقية لبيتهوفن، أو لوحة لسيزان، أو قصيدة لابن الرومي، أو رواية لنجيب محفوظ، أو تمثال لبرانكوزي، أو مسرحية لبرنارد شو، وأعمال أخرى مثل هذه - نشير إليها كأعمال فنية
works of art . ومن ناحية أخرى نحن نستخدم أو نتعامل مع الكثير من الأدوات التي تحيط بنا؛ كالبنايات، والسيارات، والأدوات المنزلية والصناعية والزراعية، بوصفها أعمالا «عملية». وفي العادة يتم «تذوق» الأعمال الفنية «جماليا» بينما يتم «استخدام» الأعمال العملية. إن كليهما يعتبر «عملا»؛ العمل الفني عمل، ولكن ليس كل عمل عملا فنيا، إن صورة والدي على الطاولة بقربي هي عمل، ولوحة «موناليزا» لليوناردو دافنشي هي أيضا عمل، الأولى عمل عادي، والثانية عمل فني، إذن ما «الصفة» التي تميز موناليزا كعمل فني؟
ظاهريا، تختلف الأعمال الفنية عن بعضها البعض، يبدو أن السيمفونية تختلف بجوهرها ووجودها الفيزيائي عن القصيدة أو المسرحية أو التمثال أو العمارة أو الفيلم السينمائي أو الحديقة، ويبدو أن جميع هذه الأشكال والأعمال التي تتضمنها تختلف عن بعضها البعض بجوهرها ووجودها الفيزيائي، ولكننا على الرغم من هذا الاختلاف نشير إليها جميعا بكلمة «فن» ونميزها عن الأشياء الطبيعية، والأدوات العادية التي نصنعها ونستعملها في تأمين حاجاتنا الإنسانية، فهل توجد صفة عامة مشتركة بين جميع هذه الأشكال والأعمال تشكل منها حقلا أو عالما يمكن تسميته «عالم الفن»؟ يرى «بل» أنه لو لم تكن هناك صفة مشتركة تشمل الأعمال الفنية جميعا لكان حديثنا عن «الأعمال الفنية» نوعا من الثرثرة . لا يمكن القول بأن هذه القطعة الموسيقية أو هذا التمثال ... إلخ هو فن ما لم توجد صفة مشتركة بين هذه الأعمال ترادف كلمة «فن»، وإن وجود هذه الصفة في العمل هو أساس الحكم: «هذا العمل عمل فني»، ولكن إذا كانت هناك صفة مشتركة، صفة تميز الأعمال الفنية عن الأعمال اللافنية، فما هي هذه الصفات؟ للإجابة عن هذا السؤال يأخذ «بل» الفن التشكيلي كنموذج في تحليل طبيعة الفن، ويرى أن هذا التحليل ينطبق مبدئيا إلى حد كبير على جميع الفنون الأخرى.
أولا: كيف تكتشف هذه الصفة؟ أو بأية طريقة أو منهج نستطيع اكتشاف هذه الصفة؟ يرى بل أن منهج اكتشاف هذه الصفة هو التجربة، وبالتحديد «التجربة الجمالية»، فليس بإمكاني أن أقول أو أحدد ما إذا كان عمل ما عملا فنيا إذا لم أختبره؛ أي إذا لم أدرك فيه حسيا تلك الصفة التي تميزه كعمل فني. هذه الخبرة هي مصدر معرفة الصفة الفنية، وهي أيضا أساس التنظير في طبيعة الفن عامة، ولا يمكن الحديث عن الفن؛ أي عن الصفة الجمالية أو الخبرة الجمالية أو الحكم الجمالي إن لم نتفاعل حسيا وخياليا مع الأعمال الفنية، ولكن الخبرة الجمالية هي دائما خبرة ذاتية؛ خبرة هذا المتذوق أو ذاك الناقد، أيعني ذلك أنه لا يمكن بناء نظرية تفسر وجود الصفة الجمالية وطبيعتها؟ في الحقيقة لا يمكن بناء نظرية جمالية إذا لم نفترض أن لهذه الصفة وجودا موضوعيا؛ أي إذا لم نفترض أنها توجد واقعيا في جميع الأعمال التي تشكل عالم الفن، يؤكد بل أن ذاتية الخبرة الجمالية ليست عائقا في بناء نظرية تفسر طبيعة الفن، ذلك أننا يمكن أن نختلف حول قيمة أو فقر بعض الأعمال الفنية، أو معظمها، روحيا واجتماعيا ونتفق رغم ذلك على كونها، أو عدم كونها، فنا، يمكن لشخصين مثلا أن يختلفا حول جمال أو بشاعة عمل ما ويتفقا رغم ذلك على كونه فنا، كون العمل فنا شيء، وكونه جميلا أو قبيحا، أو سيئا أو مضرا، شيء آخر، المهم بالنسبة للفيلسوف هو وجود (أو عدم وجود) الصفة الفنية في العمل وكيف نعرف بهذا الوجود.
نعرف أن عملا ما هو عمل فني إذا أثار فينا انفعالا خاصا يسميه بل «الانفعال الجمالي»
aesthetic emotion ، هذا الانفعال هو نوع من العاطفة نشعر به عندما ندرك أو نتذوق العمل الفني جماليا، أقول: «جماليا»؛
صفحة غير معروفة