يرى عليها لباس الذل مذ بنيت
بالشط ممنوعة من عزة الطلب
فما بناها لغزو الروم محتسبا
لكن بناها غداة الروع للهرب
24
ولسنا نريد أن ننتقل إلى الكلام عن زخرفة الطولونيين قبل أن نتحدث قليلا عن الأبنية التي شيدوها للمنفعة العامة، فإن مثل هذا الحديث لازم إذا أردنا أن نحيط بمبلغ تقدم العمارة في عهد أي أسرة من الأسرات الملكية في الإسلام؛ وذلك لأن الاهتمام بتشييد هذه الأبنية لم يكن عاما بين الأمراء، فضلا عن أن من الأبنية المذكورة ما كان تحفة فنية تستحق الإعجاب.
25
قناطر ابن طولون
شيد ابن طولون في الجهة الجنوبية الشرقية من القطائع قناطر للمياه، لا تزال بعض عقودها قائمة، وكان الماء يسير في عيونها إلى القطائع. وقد جرى المؤرخون وكتاب الخطط على سنتهم في نسج الأساطير والنوادر، فزعم القضاعي والمقريزي وغيرهما أن السبب في بناء هذه القناطر: أن ابن طولون خرج ذات يوم ومعه بعض حشمه وعسكره، ثم تقدمهم، فمر وقد كده العطش بموضع فيه مسجد صغير اسمه: مسجد الأقدام، وكان في المسجد خياط، فقال: يا خياط، أعندك ماء؟ فقال: نعم، فأخرج له كوزا فيه ماء، وقال: اشرب ولا تمد (يعني: لا تشرب كثيرا )، فتبسم أحمد بن طولون، وشرب فمد فيه حتى شرب أكثره، ثم ناوله إياه وقال: يا فتى، سقيتنا وقلت: لا تمد؟ فقال: نعم، أعزك الله؛ موضعنا هذا منقطع، وإنما أخيط جمعتي حتى أجمع ثمن راوية، فقال له: والماء عندكم ههنا معوز؟ فقال: نعم. فمضى أحمد بن طولون، فلما وصل إلى داره قال: جيئوني بخياط في مسجد الأقدام. فسرعان ما جاءوا به، وقال له الأمير: سر مع المهندسين حتى يخطوا عندك موضع سقاية ويجروا الماء، وهذه ألف دينار خذها. وابتدأ في الإنفاق، وأجرى على الخياط في كل شهر عشرة دنانير، وقال له: بشرني ساعة يجري الماء فيها، فجدوا في العمل، فلما جرى الماء أتاه مبشرا؛ فخلع عليه، واشترى له دارا يسكنها. وكان قد أشير على الأمير بأن يجري الماء من عين أبي خليد، فقال: هذه العين لا تعرف أبدا إلا باسم أبي خليد، وإني أريد أن استنبط بئرا؛ فعدل عن العين إلى الشرق، فاستنبط بئره وبنى عليها القناطر، وأجرى الماء إلى الحوض الذي بقرب درب سالم.
26
صفحة غير معروفة