وبناه على بناء جامع سامرا، وكذلك المنارة.
32
وقد فطن مؤلفو العرب إلى غرابة هذه المنارة؛ فأخذوا يروون القصص عن سبب بنائها على هذا الشكل، وقالوا إن أحمد بن طولون كان ساكن المجلس، لا يعبث بيده أبدا، واتفق له ذات مرة أن أخذ درج ورق بيده وأخرجه ومده، واستيقظ لنفسه؛ فتعجب أهل المجلس من ذلك، ونظر بعضهم إلى بعض، ففطن ابن طولون، فقال: أنا فعلت ذلك لأني أردت أن أبني منارة الجامع على هذا المثال، وأمر فأتي بالمعمار، وطلب إليه تنفيذ ذلك.
33
فهذه المنارة منسوبة دائما لابن طولون، والواقع أنه لا صلة بينها وبين منائر العصور التالية، وأكبر الظن أنها لم تدخل في الرسم الذي وضعه المهندس للجامع الطولوني، وإنما أقيمت على هذا الشكل تحقيقا لرغبة ابن طولون نفسه، متأثرا بما رآه من المنائر في سامرا، ولا سيما أنه لم تكن في مصر إذ ذاك مآذن يمكن أن ينسج على منوالها؛ فلا شك في أن المآذن التي بناها الأمير مسلمة بن مخلد الأنصاري في جامع عمرو كانت أولية وبسيطة، لا تتفق والعظمة التي أرادها ابن طولون لمسجده الجامع.
هذا ولا تزال أطلال المنارة التي بناها المتوكل في سامرا موجودة، وتعرف باسم: المنارة الملوية، وليس الشبه تاما بينها وبين منارة الجامع الطولوني؛ فإن بناء الأولى حلزوني من أسفلها، يدور ست مرات صاعدا بانحدار قليل، يقوم مقام الدرج الذي نراه في المنارة الطولونية، التي تمتاز فوق ذلك بقاعدتها المربعة.
34
ومما يستحق الذكر أننا نجد عن الخليفة المتوكل والمنارة الملوية بسامرا نفس القصة التي تروى عن ابن طولون ودرج الورق الذي كان يلهو به ثم جعله نموذجا للمنارة.
على أن بعض علماء الآثار فطن إلى أوجه الشبه بين منارات المسجد الجامع بسامرا، ومسجد أبي دلف، والمسجد الطولوني، وبين المعابد القديمة التي اتخذها السومريون في بلاد الجزيرة، والتي تعرف باسم الزيجورات
Ziggourats ،
صفحة غير معروفة