إن مدبر الأكوان قوة لا تدرك ولا توصف وتسميتها بالعقل - الذي يعد عقل الإنسان أنموذجا له - تحط من قيمتها.
هي قوة قصوى مجهولة، يستحيل على العقل البشري إدراكها أو وصفها؛ لأنه ليس إلا لمعة في بحر نورها، يتلاشى فيها، وإنما يحس العقل البشري بوجود مقرها وراء الجاذبية إذا لم تكن هي بعينها.
سبب توهم أن القوة المنظمة الكون ذات عقلية من طبيعة العقل البشري هو أننا نحسب التنظيم من مقتضيات العقل، فنعتقد العقل ينظم، وأن العقل يحكم بين النظام والفوضى، وهذا خطأ؛ العقل لم يوجد النظام، ولا هو الذي استنبطه، وإنما النظام استنبط العقل، فالعقل حين يدرك النظام يكون كالمرآة التي صنعها الإنسان ورأى خياله فيها، فالعقل مرآة النظام الطبيعي، والنظام خلق العقل مرآة له ليرى طيفه فيه.
في نهاية الفصل التالي تعلم سبب محدودية القدرة العقلية.
الفصل الثاني عشر
اللانهايات الثلاث
ذكرنا في أول الكتاب أن الوجود ذو ثلاثة عناصر: المادة والمكان والزمان. والآن نود أن نعرف هل هذه العناصر متناهية؛ أي: هل لكل منها قدر مقرر؟ أم هي غير متناهية، يعني لا بداية لها ولا نهاية؟ (1) لا نهائية المادة
علمنا أن أبسط أجزاء المادة وأصغرها هو الفوتون - الضويء - الذي يساوي 10 آلاف منه إلكترونا واحدا؛ أي: إن الإلكترون مؤلف من 10 آلاف فوتون وسينحل إليها - انظر صفحة 156 من كتاب تجينز
The New Back Ground of Science - وإلى الآن لم نكتشف إن كان الفوتون يتجزأ إلى جسيمات أصغر منه، فهو في نظر العلم الحديث «الجوهر الفرد» الذي لا أصغر منه ولا يقبل التجزئة.
ولكن لما كان أي جسم من أجسام المادة مهما كان صغيرا ذا ثلاثة أبعاد؛ أي: طول وعرض وسماكة؛ فلا بد أن يكون الفوتون هكذا ذا ثلاثة أبعاد؛ لأن الذرة مؤلفة من ملايين الفوتونات، والجزيء مؤلف من الذرات، والقلم الذي في يدي مؤلف من جزيئات، وهو ذو ثلاثة أبعاد، فلا بد أن تكون الأجزاء التي تألف منها ذات ثلاثة أبعاد أيضا، وإلا فكيف يمكن أن يتكون جسم ذو أبعاد من أجسام لا أبعاد لها؟
صفحة غير معروفة