لذلك لا يبقى عندك شك في أن النتيجة الواحدة بنت المصادفة التي اجتمعت عندها العوامل المتعددة المفضية إلى تلك النتيجة. فالصدفة التي نعنيها لا تنفي السببية، وإنما هي مآل تعدد عوامل السببية، ولأننا لا نعرف العوامل نقول: إنها صدفة. (4) سبب سلاسل السببية
إذا كانت الأسباب المتعددة سلاسل متفرعة، فلا بد أن تكون متفرعة من سلسلة واحدة، أو من أصل واحد، فما هو السبب الأصلي؟
سلاسل السببية - الأسباب والنتائج - متعددة تعددا لا يحصى ولا يحصر، ولكنك تستنتج بوضوح من غضون أبحاثنا الماضية أنها كلها ترجع إلى خاصتين رئيسيتين في أصل المادة - أي: الفوتون - وهما التجاذب والدوران؛ المادة = فوتونات متجاذبة دوارة، فيمكنك أن ترد كل حركة أو حادث في الكون فيما أنت متتبع راجعا إلى أي سلسلة من سلاسل العوامل التي تقدمته - ترده إلى هذه العلة الأصلية - التجاذب والدوران.
وقد لا ترتاح إلى الوقوف هنا بل تسائل: ما علة هذين: التجاذب والدوران؟ (5) العلة الأولى
ما هي العلة الأولى التي أحدثت التجاذب والدوران؟
أضف إلى هذين الأمرين المادة أيضا، وقل: ما هي العلة الأولى التي أبدعت المادة وأحدثت تجاذبها ودورانها؟ لأن إحداث التجاذب والدوران ليس أسهل من خلق المادة، فالذي يستطيع أن يحدث تجاذبها ودورانها يستطيع أن يخلقها أيضا، فالمادة إذن موجودة ولها هاتان السجيتان، فلا تسل.
في تعليل العلل والمعلولات، وتفسير الأسباب والنتائج، حتى في ظاهرات الطبيعة الثانوية؛ نبلغ أحيانا إلى نقطة أو نقط لا نجد عندها سببا حتميا لنتيجة حتمية، فنكاد نشعر أن للذرة هناك إرادة حرة؛ مثال ذلك: تنبثق من الشمس - وسائر الأجرام - فوتونات بسرعة النور يصيب أرضنا منها رشاش، ومن هذا الرشاش ما يصيب سطح بركة أو غدير . فبعض أمواج هذه الفوتونات تنعكس عن سطح الماء الهادئ وترتد إلى أعيننا؛ بدليل أننا نرى طيفنا في الماء ، ونرى سطح الماء نفسه، وبعضها يخترق الماء وينعكس عن قعر البركة أو قعر الغدير؛ بدليل أننا نرى الحصى في القعر. فالفوتونات متماثلة لا تباين بينها، والموجات كذلك، فما الذي جعل هذه الفوتونة - أو موجتها - أن ترتد عن سطح الماء إلى أعيننا، وتلك الفوتونة تخترق الماء وترتد عن القعر إلى أعيننا؟ ألست تشعر كأن لهذه إرادة حرة تختلف عن إرادة تلك، فأرادت غير ما أرادته تلك؟
لا بد أنه يتعذر عليك أن تتصور للفوتونة الواحدة إرادة حرة فتقول لا بد من سبب لتخالف الفوتونتين في المصير. وإنما نحن نجهل هذا السبب؛ إذن مهما برعنا في تعليل الظاهرات وردها إلى أسبابها، فلا بد أن نبلغ إلى نقطة يتعذر علينا عندها التعليل؛ فنقول: إن العلة الأولى مخبوءة وراء هذه النقطة، وبعضنا يسميها «الله».
ثم افرض أننا بمواظبتنا على البحث والاستقراء والامتحان اهتدينا إلى عاملين مختلفين سببا افتراق الفوتونتين في المصير: الواحدة انعكست عن سطح الماء، والأخرى عن قعر الغدير؛ فلا نلبث أن نشعر أن هناك سببا أقصى لذينك العاملين نجهله، فنضطر أن ننقل العلة المجهولة من وراء تلك النقطة التي اكتشفنا عندها العاملين إلى وراء نقطة اختلاف هذين العاملين؛ أي: موضع سبب اختلافهما.
بعد هذا التمثيل نعود إلى موضوع العلة الأولى التي نحن بصددها. أمكننا أن نرد أسباب ظاهرات الكون إلى عاملين رئيسيين: تجاذب ذرات المادة، ودورانها. وإلى اليوم لم نستطع أن نعلم سببهما، ولذلك نحن مضطرون أن ننقل عرش العلة الأولى إلى ما وراء هذين العاملين ونقول: إن العلة الأولى - القوة القصوى - هي التي أوجدت بحر الفوتونات من العدم بأسلوب لا نفهمه أو لا نستطيع تصوره؛ فجعلت كل فوتونة تدور على محورها، وجعلت الفوتونات تتجاذب متداورة حول مركز عام ... إلى ما هناك من تجمع وتفرع كما علمت.
صفحة غير معروفة