ومن المحتمل أيضا ألا يفكر القائد العادي الذي يكون قد ظهر في تأسيس آل، فلا يظهر في فرنسة نابليون الثالث ولا تقع معركة سدان ولا الغزو ولا الكومون ولا الوحدة الألمانية، فهذه الحوادث قد نشأت قسما إذن عن تلك العلة الاستثنائية المستقلة عن كل سنة منظمة، أي عن تفوق قائد ظافر كان قد مات منذ نصف قرن، وفرضيات مثل هذه تدل دلالة واضحة على شأن العرضي في التاريخ.
الفصل الثاني
التعميمات في التاريخ
يصعب جدا أن تعرف العلل الحقيقية لحوادث التاريخ حتى أكثرها وقفا للنظر، وسنبين في فصل آخر أن الشهادة، التي هي أكثر مناهج الماضي استعمالا، أقل هذه المناهج صدقا، والواقع أن قيمتها ضعيفة إلى الغاية، لا لمصاعب حسن المشاهدة فقط، بل لأن المشاهدات التي تقع تؤدي إلى تعميمات خادعة أيضا.
وقد أدى التعميم كنهج تاريخي إلى أحكام متناقضة تناقضا يجعل الحقيقة أمرا يصعب تمييزه، وذلك في موضوعات أساسية كحال فرنسة قبل الثورة.
وكيف يكون رأي صحيح حول حال الفلاحين استنادا إلى شهادات بالغة التناقض كالشهادات الآتية التي قيدها مسيو شومه، وهي: «إن لابروير يشبه الفلاحين الفرنسيين بالحيوان الوحشي المنتشر في الحقل ذكرا كان أو أنثى.»
ويؤيد سان سيمون هذا التقدير فيقول: «يقتات بعشب الحقول في نورماندية في أثناء تبذيرات شانتي.» ومثل هذا حكم ماسيون القائل: «يعيش أهل أريافنا بائسين أشد البؤس.» ويقول دارجنسون من ناحيته: «حدثني سنيورات تورين أنهم يريدون إلهاء الأهلين بأعمال في الأرياف مياومة، فيجدونهم من الهزال وقلة العدد ما لا يستطيعون معه العمل بذرعانهم.»
وفي الوقت نفسه كان يوجد من الشهود من يصوغون أحكاما في ذلك مختلفة اختلافا تاما، ومن ذلك ما قاله رحالة في سنة 1728: «لا يمكن أن يتصور مقدار سعادة الفلاحين، فالقرى زاخرة بفلاحين أقوياء سمان لابسين ثيابا حسنة وبياضات نظيفة ...» وقالت الليدي منتاغيو: «لا يمكن أن يتصور مقدار ما هو منتشر في المملكة من رخاء وسرور.» ومثل هذا قول ولبول: «أجد هذا البلد غنيا غنى عجيبا، ويبدو على أحقر القرى طابع البركة.» وقال فولتير: «وكيف يمكن أن يقال إن ولايات فرنسة الجميلة بور؟ يحسب الإنسان نفسه في الفردوس!» وأما أرثور يانغ الذي استشهد تين به كثيرا فمن يكلف نفسه بقراءته يعلم - بعد أن يستخرج من «سياحاته» ما يمكن من النصوص عن بؤس الأرياف الفرنسية عشية الثورة - إمكان استنباطه رخاءها أيضا من النصوص البالغة مثل هذا المقدار على الأقل.
ويمكن أن يزاد عدد هذه الاختلافات في الرأي إلى ما لا حد له، وتجد مثل هذه الاختلافات أيضا لدى المؤلفين الذين عرضوا نتائج الإدارة النابليونية في إيطالية.
فإليك كيف يعبر شاتوبريان عما في نفسه: «إن نابليون عظيم لما كان من سمو بعثه وتنويره إيطالية.»
صفحة غير معروفة