ويعتقد ممثلو جمعية الأمم أنهم يستطيعون إقرار السلام في العالم بنزع عام للسلاح، ومع ذلك فإن نزعا للسلاح كهذا لا يجدي نفعا، فمما يلوح وضوحه بالتدريج كما هو واقع: أن الحروب ستكون حروبا جوية تقتصر أسلحتها على قنابل مشحونة بالمتفجرات أو على غازات سامة. والحق أن الطائرة الحربية لا تختلف عن الطائرة التجارية إلا بما تنقل من مواد، فلا يبصر مقدار ما ينطوي عليه نزع السلاح من صحة في الوقت الحاضر.
وبما أن الحروب القادمة تلوح أكثر تقتيلا من الحروب الماضية بدرجات، فإن من الصواب بذل الدبلميين جهودهم لاجتنابها، وقد وفقوا لذلك حتى الآن، غير أن عجزهم عن خلق جو سلمي كان من الثبوت ما يسأل معه عن إمكان حدوث هذا؛ نظرا إلى نفسية أمم أوربة في الوقت الحاضر، وسينشأ عن هذا كثير من الصعوبات، وذلك للقوة الهائلة التي تنطوي عليها المشاعر الجماعية: السخط، والحقد، والكرامة المكلومة، إلخ. ويعرب كثير من البلاد العظيمة في أوربة مع التوكيد عن عزمه على اتخاذ العنف وسيلة لتلافي الإجحاف الذي يعتقد ذهابه ضحية له، حتى إن إيطالية وألمانية لا تحاولان كتم مشاعرهما من هذه الناحية، وترى روسية - التي استحوذت عليها أوهام سياسية بالغة قوة الأوهام الدينية - مستعدة للاشتراك مع الأمم التي تخوض غمار الحرب.
وتقوم المعضلة الحاضرة الكبرى على إحلال سلم الوفاق محل السلم المسلح، ولا يزال حل هذه المعضلة غير باد.
الفصل الثالث
سادة العالم الجدد
التفوق الأمريكي
أمريكة الشمالية وحدها هي تشتمل، وسط الانقلاب العالمي، على سعادة نقصت قليلا في الوقت الحاضر، ولكن مع زيادتها زمنا طويلا في الماضي، وتقوم هذه السعادة خاصة على كون الولايات المتحدة قد لاءمت بالتدريج مقتضيات الاقتصاد التي لم يدرك معظم الأمم أمرها حتى الآن.
وعرفت أمريكة ما يهدد الحضارات الأوربية من مخاصمات، فقد عانت حربا أهلية هلك فيها صفوة مواطنيها، وكذلك عرفت ما بين رأس المال والعمل من نزاع، كما عرفت استبداد النقابات ووعيد الاشتراكيين، ثم خرجت الولايات المتحدة من دور الفوضى نهائيا واهتدت بذوي البصائر من أبنائها، فأحلت تعاون جميع الطبقات محل المنافسات والأحقاد التي ما فتئ الاشتراكيون يهددون بها أوربة، وتكاد الولايات المتحدة تجهل ديانة عديمي الالتئام هؤلاء، ويخضع عديمو الالتئام في الولايات المتحدة للقانون بدلا من أن يضعوه.
وإذا حكم في قيمة النظام بنتائجه لا بروعة نظرياته، اعترف بأن مبادئ الولايات المتحدة الحكومية أشد تأثيرا من مبادئ الاشتراكيين الأوربيين.
وأسفر تضامن العمل ورأس المال عن منح الطبقات المجدة يسرا لا عهد لأكثرية البرجواز الأوربيين الساحقة بمثله.
صفحة غير معروفة