ووضع رائع مثل هذا مما يضمن لألمانية عظمة جديدة مع نهوضها، بيد أنها تنقاد بتأثير المتطرفين من جميع الأحزاب، لأفكار قائلة بالانتقام وتعديل المعاهدات، مهددة أوربة بحرب أشد هولا من السابقة، مؤدية إلى ختام حضارات الغرب لا ريب.
والمسألة هي أن يعرف: هل تتفق على إيقاد حرب جديدة ألمانية الراغبة في الإفلات من الغرامة الثقيلة المفروضة عليها، وإيطالية الطامعة في التوسع، وروسية التي ترجو نشر إيمانها؟
ومن يمن سكون أوربة عجز ألمانية عن تجديد تسلحها حتى الآن وعجز روسية عن القيام بحرب خارج حدودها، وليس تحالف ألمانية وإيطالية وروسية الممكن نظريا مما يسهل تحقيقه في هذه الأيام، أجل، سيقع هذا التحالف في بضع سنين، غير أن من المحتمل أن يدرك الألمان حينئذ إمكان إغناء النزاع الاقتصادي للغالبين، مع أن مصير الغالب والمغلوب إلى الخراب التام في النزاع الحربي. •••
وضع بولونية: اليوم تنم بولونية على ناحية قاتمة من الحياة الأوربية، ويعد هذا البلد الكبير من البلدان التي تدل أكثر من غيرها على ما تصير إليه الأمم المقسومة بين أحزاب سياسية متنافسة، فبعد أن قسمت بين جيرانها ومحيت من التاريخ السياسي أعيدت إلى الوجود بالحرب، غير أن الوحدة المادية لم تنعم عليها بالوحدة الأدبية، وهي لم تحافظ على كيان تهدده روسية وألمانية كل يوم إلا بنظام دكتاتوري فقط، وإليك كيف دلت إحدى الصحف الأجنبية في الأسطر الآتية على الأخطاء التي تطوق حياة بولونية:
أصبحت بروسية الشرقية واقعة ضمن بولونية، وفصلت دنزيغ الألمانية بنسبة 97٪ عن الريخ مراعاة لبولونية، وخسر سكان التخوم الألمانية الشرقية ما وراءها ووجدوا في حال من الانحطاط الاقتصادي ... والآن لا تزال الحال الروحية المعادية لبولونية والسائدة لألمانية نكدة جدا، فيجب أن يقال إن العلاقات الألمانية البولونية من أسود نقاط السياسة الأوربية.
وكان يمكن أن يصبح شأن بولونية السياسي عظيما لو دعيت مع رومانية إلى تأليف حاجز أمام ما يمكن وقوعه من غزوات الجيوش البلشفية. •••
وضع النمسة: ذهبت النمسة ضحية خطأ سياسي اقترفه رجل النظر الأمريكي الذي ظهر دكتاتور معاهدة الصلح الحقيقي، فقد فصلت عن أجمل ولاياتها وأخذت تقضي حياة صعبة جدا، ومن الطبيعي أن تحلم بضمها إلى ألمانية التي تعيد إليها ازدهارها الماضي، ويعد هذا الضم الذي لا مفر منه من أعظم المشاكل السياسية في الوقت الحاضر، ومن الواضح أن يقلق هذا الضم بال إيطالية وبال أمم ظافرة أخرى، ومع ذلك فسيتم بالتدريج ضمن مدة لا تزيد ست سنين لا ريب.
وستكون نتيجة هذا الضم النهائية جعل ألمانية أكثر قوة وأعظم مما كانت عليه قبل الحرب، وهنالك يرى تجدد «إمبراطورية جرمانية، إمبراطورية شارلكن، التي كانت مستقرة بفينة، فتستقر الآن ببرلين.» كما أنبأ به مسيو تيير بعد معركة سادووا. •••
وضع بلجيكة: تعد بلجيكة أيضا مثالا للمصاعب التي تعانيها الأمم الأوربية حتى تفوز بشيء من الاستقرار السياسي، فهي مقسومة إلى قسمين متساويين بعقائد دينية واجتماعية متباينة، ويزيد هذا التنافس بتنافس العروق.
وكذلك المشاكل الاجتماعية زادت في بلجيكة، وذلك لأن العرقين اللذين يعمرانها، وهما : فلامان الشمال، وفالون الجنوب، يتكلمان لغتين مختلفتين، ويظهران مشاعر مختلفة أيضا، وللفلامان مناح انفصالية يمكن أن تكون خطرة على مستقبل البلد، وتبدو مطالبهم السياسية عظيمة جدا أيضا، فهم يطالبون بأن تكون مدة الخدمة العسكرية ستة أشهر، وبأن تفتح مدارس فلامانية خالصة، إلخ. •••
صفحة غير معروفة