14
ولا بد من القول إن كل ما تمخضت عنه حركة الإصلاح الديني والإصلاح المضاد لم يؤد إلى دراسة التاريخ بالمعنى الحديث ولم يتعد تهيئة الأدوات والمواد المساعدة على دراسته، كما يمكن القول بأن نشأة الدول القومية الأوروبية وحاجتها إلى مؤرخين قد جعلت المؤرخين الإيطاليين يتأثرون بفيلسوف العصر ليبنيز (1646-1716م) فكتب موراتوري
Muratori
الذي كان أمين مكتبة نابولي، تاريخ أسرة إسته
Este
على غرار التاريخ الذي كتبه ليبنتز لأسرة برونشفيك
Brunswick
ولكن ظلت الغاية الأساسية من التاريخ عند ليبنتز مثل الغاية النهائية من الشعر أن يعلمنا الحكمة والفضيلة عن طريق الأمثلة التي يقدمها لنا من خلال التاريخ وأن يعرض الرذيلة في صورة تدعو إلى تجنبها وكراهيتها. ساهم أصحاب النزعة الإنسانية في عصر النهضة في نشر مؤلفات الكتاب القدامى وبعث التراث الكلاسيكي في البلاغة والأدب والنحو والفلسفة والتاريخ، فاهتموا بنشر كتابات المؤرخين الرومان مثل ليفيوس (59ق.م.-17م) وتاسيتوس (55-120م) لاستخلاص ما فيها من عبرة وقيم تربوية وتعليمية وأخلاقية، وتاريخ بلوتارك (46-190م) الذي يزخر بالشخصيات العظيمة مثل الإسكندر وهانيبال وقيصر، غير أن النزعة الإنسانية قد اقتصرت على النظر للتاريخ نظرة عملية أخلاقية بحيث لم تظهر لديها النظرة العلمية.
ثم كان كتاب بيكون (1561-1626م) «تقدم العلم» بداية الانتقال من الناحية الفلسفية إلى الناحية التاريخية، من النظر إلى العمل، وفيه وجه بيكون الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بالتاريخ بجانب الاهتمام بالأخلاق. وبالرغم من قول بيكون: «إن المعارف كالأهرامات قاعدتها التاريخ.» إلا أنه لم ينظر للتاريخ بوصفه مبادئ لفلسفة أخلاقية وتم الانتقال من النظر للتاريخ كمصدر للعظة الأخلاقية والتربوية، واعتباره رصيدا نافعا يستخلص منه القدوة والمثل، إلى الاهتمام بدراسة الوقائع التاريخية نفسها وكيفية دراسة التاريخ دراسة علمية.
15
صفحة غير معروفة