هذه النظرية في وحدة المناهج تحل مشاكل كثيرة، أو بالأصح تفض نزاعات جمة: التجريبية أم العقلانية، الحسية أم المثالية. (ب)
هذه الصياغة تجعل المعرفة تسير في حلقات متتالية، كل حلقة تبدأ من سابقتها وتؤدي إلى لاحقتها، طالما تبدأ بمشكلة وتنتهي بمشكلة؛ لهذا فهي تؤسس دعوى بوبر في خلق أواصر القربى بين شتى الجهود المعرفية، وهو لهذا يعطي الفضل الكبير للنظريات الفلسفية - بل وللأساطير الدينية والخرافات - في التقدم العلمي الحديث؛ لأنها مثلت إحدى حلقات التطور العلمي الراهن.
وهذا من ناحية يؤسس رفضه لرأي الوضعية المنطقية في أن كل ما عدا العلم لغو، ومن ناحية أخرى يؤسس رأيه في ربط حصيلة الجيل ومنجزاته بأجيال لا تحصى من البشر سبقته وأعدت له، وأن الفضل الأعظم في كل إنجاز يعود إلى الحصيلة المعرفية والبناء الحضاري الذي تسلمناه.
وهذا بدوره يؤسس نظرته إلى تاريخ العلم والفلسفة والفن ... إلخ على أنه نقاش جار، سلسلة من المشكلات المترابطة وحلولها الاختبارية، وبينما قل اهتمام الفلاسفة الوضعيين واللغويين بتاريخ مادتهم فإن التناول البوبري يقود إلى معنى المشاركة الشخصية في تاريخ الأفكار؛ ومن ثم فإن بوبر نفسه - فيلسوف العلم الذي يألف الفيزياء الحديثة - هو أيضا دارس عاطفي.
46 (ج)
اعتبار كل حلقة معرفية، مهما كانت متقدمة، لا بد وأن تنتهي هي الأخرى إلى مشكلة، تدخل في حلقة أخرى، يعني أن الجهود المعرفية لا بد وأن تكون دوما في حاجة إلى استئناف المسير، مما يعني إمكانية التقدم المستمرة، وهذا يؤسس فكرة بوبر - المواتية لروح العصر - في اعتبار اليقين من مخلفات عصور الجهالة. (د)
هذه الصياغة تصف شتى المحاولات وتمثل المنهج الواحد، مما يعني محو الفوارق بين التخصصات الدقيقة، وإهمال الفروق التقليدية بين المواد، كل ما يهم أن يكون لدى المرء مشكلة شيقة يحاول حلها بصدق وأصالة، وهذا يؤدي إلى أن يلتزم وجوديا بالعمل، ومن أجل العمل نفسه، حتى يكون له ما يسميه الوجوديون بالأصالة
Authenticity .
47
وهذا يؤسس دعوى بوبر في محاربة التخصص الدقيق
صفحة غير معروفة