إذن بهذا المغزى الذاتي لا يمكن أن نعرف، ولا يسمى محتوى البحث هنا معرفة بالمفهوم الإبستمولوجي. إنها تتكون من اعتقادات في أشياء معينة، فتجعل معرفتي متكونة من نزوعاتي ومعرفتك من نزوعاتك ... وهكذا،
1
وبوبر يرى أن المعرفة بهذا المغزى من اختصاص علم النفس.
المعرفة بالمغزى الموضوعي:
التي تتكون من الأفكار العلمية والفلسفية ومخزونات الكتب والعقول الإلكترونية، أي كل النظريات المصاغة لغويا، وبوبر يراها موضوعية لدرجة الاستقلال التام عن أي شخص يعرف أو يعتقد، فهي معرفة بغير ذات عارفة،
2
وهذه هي البحوث الملائمة للإبستمولوجيا، فتدرس محتواها المعرفي وعلاقاتها المنطقية، أي المشاكل ومواقف المشاكل ولا تدرس البتة اعتقادات، فالعالم لا يدعي أن افتراضه صادق أو أنه يعتقد فيه أو يعرفه، كل ما يفعله هو أن يطرحه في العالم الموضوعي، فتدرسه الإبستمولوجيا، وتقنن مدى قدرته على إعطاء قوة شارحة وعلى حل المشكلة المطروحة، وتقارن بينه وبين الفروض الأخرى ... إلخ.
باختصار، مجال الإبستمولوجيا يقتصر على الموضوع القابل للنقد، ويقطع كل صلة بينه وبين الذوات. (2) والفارق بين مغزيي المعرفة كبير، رغم أنه قصير المدى، فنظرية نيوتن كما هي مطروحة في العلم من أوضح الأمثلة على المعرفة الموضوعية، أما نزوع نيوتن نحو كتابة نظريته أو مناقشاتها فهو مثال للمعرفة الذاتية، اللحظة التي كتب فيها نيوتن نظريته، لحظة الصياغة اللغوية هي حد الفصل الذي نقلها من بحوث علم النفس إلى بحوث الإبستمولوجيا الموضوعية والمنطق.
أما الذي جعل بوبر يخول كل هذا العبء على الصياغة اللغوية للنظرية؛ فذلك لأنها تجعلها قابلة للنقاش والتداول بين الذوات، فتكون قابلة للنقد، قبل ذلك كانت جزءا من حياة نيوتن النفسية، فلا يمكن أن ننقدها كما ننقد نظرية مطروحة في تقرير مكتوب، إذن القابلية للنقد هي التي تميز المعرفة الموضوعية عن المعرفة الذاتية.
النقد دائما حجر الزاوية من كل فكرة بوبرية. (3) غير أن ثمة ملاحظة يبديها بوبر بأسف، وهي أنه طوال الإبستمولوجيا التقليدية منذ أرسطو حتى ديكارت، مرورا بهوبز ولوك ثم باركلي وهيوم
صفحة غير معروفة