يقوم هذا المنهج على أساس تلازم العلة والمعلول في الوقوع؛ بحيث إذا حدث الأول تبعه الثاني، والعكس بالعكس، ويستلزم هذا المنهج جمع أكبر عدد ممكن من الحالات التي تبدو فيها الظاهرة والمقارنة بين عناصرها؛ أي البحث عما هو السابق واللاحق في حدوث تلك الظاهرة، فالسابق هو العلة واللاحق هو المعلول.
ويمكن التعبير عنه رمزيا كما يلي:
الظاهرة: «أ»1 أعقبتها أو اقترنت بها ظواهر: ب. ج. د. ه. «أ»2 أعقبتها أو اقترنت بها ظواهر: ب. و. ز. ح. «أ»3 أعقبتها أو اقترنت بها ظواهر: ب. ط. ي. ك. «أ»4 أعقبتها أو اقترنت بها ظواهر: ب. ل. م. ن.
52
وهذا المنهج يعبر عن طريقة شائعة الاستعمال في الحياة اليومية، أكثر منها في البحوث العلمية، ونقدها أظهر من أن يذكر؛ فالظواهر الطبيعية ليست بهذه البساطة بحيث يظهر دائما العامل الواحد الذي لا يتغير، فالظروف متشابكة تختلط ببعضها، والعنصر قد يتضافر هو وعنصر آخر في جميع الأحوال، دون أن يكون هذا العنصر علة حقيقية له إنما يوجد بالعرض دائما.
لذلك شأن هذا المنهج يشجع مغالطة أخذ ما ليس بعلة على أنه علة؛ فقد يكون توالي حدوث العامل ليس بعلة بل مجرد مصادفة.
ويعضد هذا النقد الكشف الحديث من أنه لا حتمية في العلم، ومن إعطاء الدور الأكبر للمصادفة - أي للاحتمال - في القوانين العلمية، بينما كان مل، وعصر مل مشبعا بالحتمية حتى النخاع، حتمية اقتران العلل بالمعلولات والظروف ببعضها، وهو على أية حال منهج ضعيف، حذر كلود برنار من الاعتماد عليه، وإن كان من الممكن تقليل خطورته بتنويع التجارب قدر المستطاع، كما نصحنا فرنسيس بيكون من قبل. (2)
منهج الاختلاف
Method of Difference :
أو التلازم في التخلف والافتراق، وهو نوع من البرهان العكسي الذي حبذه كلود برنار، وينص على أنه إذا حدث مثال تقع فيه الظاهرة المطروحة للبحث، ومثال آخر لا تقع فيه هذه الظاهرة، واتفق المثالان في كل شيء إلا في ظرف واحد، وهو الذي يظهر فيه المثل الأول وحده دون سواه، كان الشيء الذي يختلف فيه المثالان معلولا لهذه الظاهرة أو علة لها، أو جزءا ضروريا من علتها.
صفحة غير معروفة