W. Whewell (1794-1866م) في لانكستر، وتوفي في كمبردج بعد أن قضى معظم حياته في جامعتها، طالبا وزميلا وأستاذا بكلية ترنتي «الثالوث» العريقة، حيث شغل منصب أستاذ كرسي فلسفة الأخلاق، وقبل أن يكون فيلسوف علم رائدا، كان أيضا عالما وعضوا في الجمعية الملكية للعلوم، وبفضله وضعت الجمعية مصطلح عالم
Scientist . درس علم المعادن، وله أعماله في الفلك والفيزياء العامة والميكانيكا، قيل عنها: إنها أساسا كتابات تعليمية، ولكنه ساعد فاراداي في وضع عدد من المصطلحات الهامة في مجال الصلة بين الكهرباء والتحاليل الكيميائية.
وهو أيضا مؤرخ للعلم، في عصره الذي لم يعن بتاريخ العلم إلا قليلا، وتركه للمحاولات الفردية. أصدر هيوول في عام 1837م «تاريخ العلوم الاستقرائية» في ثلاثة مجلدات تمتد من أقدم العصور حتى عصره الراهن. وطبعا في سياق النعرة الأوروبية الممهدة لعصر الاستعمار الوبيل، تكون أقدم العصور هي العصور الإغريقية، ثم السكندرية، الكتاب يستبعد الإشارة لما هو خارج مسار ونطاق الحضارة الغربية. ثم أصدر عام 1840م كتابا آخر بعنوان «فلسفة العلوم الاستقرائية المؤسسة على تاريخها»، وفي مواجهة النزعة الاستقرائية التجريبية المتطرفة اللاتاريخية، يؤكد هذا الكتاب أن فلسفة العلم لا تدرك المنهج العلمي حق الإدراك إلا من خلال فاعليته عبر تاريخ العلم؛ لذلك يتلاحم في عنوان الكتاب الطرفان: تاريخ العلوم الاستقرائية وفلسفة العلوم الاستقرائية. وصدرت لهذا الكتاب طبعة ثالثة مزيدة وموسعة تحت ثلاثة عناوين مستقلة: الأول «تاريخ الأفكار العلمية» في مجلدين عام 1858م، والثاني في نفس العام بعنوان «إحياء الأورجانون الجديد»، والثالث «في فلسفة الكشف» عام 1860م؛ حيث يعرض نظرية جون ستيوارت مل المنهجية للنقد الشديد.
والوعي التاريخي الذي سبق به هيوول فلسفة العلم في عصره، يتجلى بقوة في الكتاب الأول «تاريخ الأفكار العلمية» يقول: إنه عنوان فرضته طبيعة المادة المعروضة ومضمونها، وإنه استقى هذه المادة من صلب الأعمال الكبرى خلال تاريخ العلم وهو بصدد إعداد كتابه الأول «تاريخ العلوم الاستقرائية» الذي يعرض لتاريخ العلم بقدر ما هو معتمد على الوقائع والملاحظات، بينما «تاريخ الأفكار العلمية» يعرض لتاريخ العلم بقدر ما هو معتمد على الأفكار والمفاهيم والتصورات. ويوضح الكتاب أن مناقشة النظريات تهدف إلى جعلها متسقة مع شروط وظروف التفكير البشري. ومن ثم يناقش الكتاب تاريخ المفاهيم العلمية الكبرى كالمكان والزمان والعدد والحركة والعلة والقوة والمادة والوسط والكثافة والعنصر والانجذاب والجوهر والذرة والتماثل والمشابهة والأنواع والحياة والوظيفة والقوى الحيوية والعلل الغائية والعلة الأولى ... ويؤكد هيوول أن المناظرات حول التحديد الدقيق لهذه الأفكار أو المفاهيم وخصائصها ودورها تشكل القطاع الأساسي من تاريخ العلم وأيضا من فلسفته، ولن تكتمل أية فلسفة للعلم بدون أن تضع حلولا للإشكاليات والصعوبات والتناقضات التي تثيرها المناظرات حول هذه الأفكار والمفاهيم؛ لذلك حاول هيوول عبر صفحات الكتاب أن يوضح الأصول الباكرة لهذه المفاهيم وتطوراتها حتى وصولها إلى الأشكال التي اتخذتها في القرن التاسع عشر، موضحا ما بدا له من حل أمثل لكل إشكالية تثيرها تلك المناظرات، وقد تأدى به الأمر إلى التوغل أحيانا في أعماق الميتافيزيقا، مؤكدا أن مثل هذه الميتافيزيقا جزء جوهري من تقدم العلم،
7
في مواجهة الوضعية والنزعة الاستقرائية التي تقصف تماما الأبعاد الميتافيزيقية.
هكذا أعطانا وليم هيوول فلسفة للعلم قائمة على الوعي بتاريخه، مخالفا بهذا النزعة الاستقرائية التجريبية المتطرفة باتجاهها اللاتاريخي المقتصر على النسق العلمي كمنجز راهن. وبالتالي لا بد أن تكون نظرة هيوول للمنهج التجريبي مختلفة.
بداية سلم هيوول بناموس العصر: الاستقراء كما هو واضح من مجرد عناوين كتبه، لكن الوعي التاريخي الذي تسلح به جعل المنهج التجريبي معه - ولنقل الاستقراء - أكثر حيوية وتبصرا من الاستقراء التقليدي القائم على تعميم الملاحظات المستقرأة، الذي اعتمدته النزعة الاستقرائية، فيقول هيوول: إن دراسة تاريخ العلم تكشف عن عملية استقرائية لا تماثل البتة حجة التعميم التي يتمسكون بها، بل ثمة ربط للوقائع التجريبية من خلال مفهوم عقلي عبقري. من هنا أكد على نقطة غامضة
Mysterious Point
في الانتقال من الملاحظة إلى القانون، وأوضح أن الفروض العلمية بالأمس قد تبدو اليوم في صورة وقائع تجريبية. إنها نظرية عقلية تم إدراكها؛ لذلك قيل: إن فلسفة هيوول عقلانية استقرائية
صفحة غير معروفة