وبدا واضحا أنه لا يمكن تفسير الإنتروبي بالمبادئ الميكانيكية، فقدم جيمس كلارك ماكسويل
J. C. Maxwell ، وأيضا جوزيا ويلارد جيبز
J. W. Gibbs (1839-1903م) المناهج الإحصائية، فتصورا عددا كبيرا غير محدود من الجزيئات في سرعات مختلفة، وعلى أساس الدرجات المختلفة للسرعة ومبادئ الاحتمال الإحصائية يكون حساب الأثر النهائي، وتوطدت هذه النتائج بأبحاث لويس جوي.
هكذا أكدت الديناميكا الحرارية المناهج الإحصائية الاحتمالية لاتفاقها مع طبيعة موضوعها الذي يرفض التحديد الفردي الميكانيكي، فتعمل على أساس المتوسطات وتطرح تنبؤات تقريبية لا يقينية، تأكيدا لتمردها على الإبستمولوجيا الكلاسيكية، فضلا عن أنها تشير إلى أن الكون لن يبقى ثابتا على حاله إلى الأبد.
على أن أزمة الفيزياء الكلاسيكية لم تقتصر على قانون بقاء الطاقة والديناميكا الحرارية المتصلة به، بل لحق به قانون بقاء المادة وبقاء الكتلة.
وهذا الأخير - أي بقاء الكتلة - بدا وكأنه يجب أن يغادر ميدان العلم، منذ أن أثبت جوزيف جون طومسون
J. J. Thomson (1856-1940م) أن كتلة الجسيم المشحون بالكهرباء تتغير حين يتحرك، وكلما كانت سرعة الحركة أكبر كلما أصبحت كتلة الجسيم أكبر. بدأ هذا الفرض في صورة نظرية رياضية، ومع نهايات القرن التاسع عشر بدأ طومسون وأتباعه في تحطيم الذرة، وأصبح من اليسير التحقق التجريبي من أن كتلة الجسيم الذري تتغير بتغير سرعته تماما، كما تنبأت حسابات طومسون، خصوصا بعد اختراع المعجل النووي. وإثر تحطيم الذرة، جاء التلميذ النجيب لطومسون وهو إرنست رذرفورد
E. Rutherford (1871-1937م) وانتهى إلى أن الذرة مكونة من جسيمات مشحونة بكهرباء سالبة وهي الإلكترونات، وجسيمات مشحونة بكهرباء موجبة وهي البروتونات، فأصبحت المادة بأسرها جسيمات مشحونة بالكهرباء في حركة دائبة. وإذا كانت كتلة الجسم تتغير بتغير سرعته، فإن كلا من النظرية والتجربة أثبتا أن هذا التغير يتناسب تماما مع طاقة حركة الجسم، فتتغير كتلة الإلكترون بتغير طاقته. وسوف نرى أن آينشتين في نظريته النسبية قد مد هذا إلى درجة هائلة من التعميم، وأكد نهائيا تغير الكتلة الذي يتعارض تماما مع المفهوم النيوتوني ببقاء الكتلة، فضلا عن أن بقاء الكتلة - كما لاحظنا - لم يعد نتيجة لبقاء المادة فقط، بل يتدخل بقاء الطاقة أيضا، كما أن نظرية النسبية أدخلت في ذات الهوية بقاء المادة وبقاء الطاقة معا، فلم يعد أي منهما بالصورة التي تتطلبها الفيزياء الكلاسيكية.
وكما ذكرنا، كان بقاء المادة بالذات هو أساس الفيزياء الكلاسيكية، وربما يبدو للنظرة العابرة أنه مع كل هذا يظل بمنأى عن أي نقاش أو جدل، إلا أنه قد ظهرت في القرن العشرين فروض قوية مؤيدة بتحليل رياضي للوقائع الفلكية وترجح حدوث فناء للمادة في الأعماق السحيقة للفضاء، حيث تتوافر مادة فلكية ذات كثرة كافية، وأن عملية الفناء الذري تلك تحدث في أعماق النجوم تلقائيا بنفس تلقائية تفكك ذرات المواد ذات النشاط الإشعاعي.
44
صفحة غير معروفة