12
التي حكمت إطار الأنثروبولوجيا ومنطلقاتها، بل واستأثرت بها في تلك المرحلة الأسبق والتي استمرت حتى الحرب العالمية الثانية.
وما دمنا معنيين الآن بأصول تاريخ العلم، فيمكن اعتبار «لوسيان ليفي بريل»
L. Levy-Bruhl (1857-1939م) أبرز ممثلي تلك النظرة الأنثروبولوجية التطورية، إنه الوريث الأمين ل «سان سيمون وأوجست كونت»،
13
و«إميل دوركايم» ليكون من أهم الشخصيات الأنثروبولوجية في الربع الأول من القرن العشرين، يعطينا كتابه الشهير «العقلية البدائية» صورة مثلى لمنطلقات هذه المرحلة الأسبق من علم الأنثروبولوجيا التي تقطع كل صلة بين الأصول البدائية للإنسان وبين أشكال التحضر الحديثة وعلى رأسها العلم، مما يساهم في تبرير النظرة التي تغفل أهمية تاريخ العلم. فقد ذهب بريل إلى أن العقلية البدائية مختلفة اختلافا جذريا عن العقلية المتحضرة، ويستعين برأي ثورنفالد
Thurnwald
بغياب قانون العلية تماما عن العقلية البدائية؛ ليؤكد أنها لا علاقة لها البتة بالمنطق والتفكير الاستدلالي، بل هي محض خليط من الخرافات والسحر والغيبيات والاعتقاد بقوى خفية تحكم العالم، وبسطوة الأحلام وأرواح الموتى وعلامات التطير، ولا تميز بين الإنسان والطبيعة، بل تعتبره مشاركا فيها وجزءا منها. الإنسان البدائي - فيما يزعم بريل - يعجز تماما عن النظر إلى الطبيعة باعتبارها واقعا موضوعيا على نحو ما يفعل الإنسان الأوروبي المتحضر صانع العلم. وينتهي ليفي بريل إلى أن العقلية البدائية لا تتقدم ولا تكتسب القوى المنطقية إلا عن طريق احتكاكها بالإنسان الغربي الأبيض بالكشوف أو التبشير أو الاستعمار!
تتضح إذن بمزيد من الجلاء تلك النزعة العنصرية والاستعلاء الغربي، أو بمصطلحات فلسفة العلم «التشويه الأيديولوجي» للعلوم الأنثروبولوجية ومدى طغيانه على الروح العلمية الحديثة في موطنها الأوروبي، مما يعني أن هذا التشويه الأيديولوجي بدوره من العوامل التي دفعت التفكير العلمي - ولو من بعيد - إلى الاقتصار على المعطى الراهن وإهمال تاريخ العلم.
وها هو ذا واحد من أقطاب الروح العلمية المبرزين، كارل بيرسون
صفحة غير معروفة