110

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

تصانيف

كان دي بروي يعتقد أن ثمة جسيمات تصحبها موجات، أما شرودنجر فكان يعتقد أنه يستطيع الاستغناء عن الجسيمات، وأنه لا توجد إلا موجات تتجمع في بقاع صغيرة معينة فينتج عنها شيء يشبه الجسيم، ومن ثم قال بوجود حزم موجية تسلك على نحو شبيه بالجسيم، ولكن بعد أن اتضح أن الرأيين لا يمكن قبولهما معا، اقترح ماكس بورن

Max Born

الفكرة القائلة: إن الموجات لا تمثل أكثر من احتمال، فتعمقت جذرية التحول اللاحتمي في الذرة. الكيانات الأولية جسيمات لا تتحكم في سلوكها قوانين علية إنما قوانين احتمالية، وواصل فيرنر هيزنبرج السير في هذا الطريق، فبين أن هناك قدرا محددا من اللاتعين أو اللاتحدد أو اللايقين، فيما يتعلق بالتنبؤ بمسار الجسيم. وبفضل كشوف بورن وهيزنبرج، تمت الخطوة الأخيرة في الانتقال من التفسير العلي الحتمي إلى تفسير إحصائي للعالم الأصغر، وأصبح من المعترف به أن الحادث الذري المنفرد لا يتحدد بقانون علي، بل قانون احتمالي فحسب، واستعيض عن فكرة «إذا كان ... فإن» التي عرفتها الفيزياء الكلاسيكية بفكرة «إذا كان فإن، بنسبة مئوية معينة»، وأخيرا جمع نيلز بور بين نتائج ماكس بورن ونتائج هيزنبرج، فوضع مبدأ التكامل الذي أشرنا إليه سابقا.

ومع فيرنر هيزنبرج

W. Heisenberg (1901-1976م) حدث التطور الأعظم أو الميلاد الثاني للكوانتم، وذلك حين وضع مبدأه الشهير المعروف باسم مبدأ اللاتعين

Indeterminacy

، وهذا المبدأ بصورته العامة يأخذ في اعتباره أدوات القياس أو الأجهزة المعملية وتأثيرها على الظواهر المرصودة، فينص على استحالة التعيين الدقيق لموضع الإلكترون، وسرعته في آن واحد؛ لأننا إذا أردنا أن نحدد سرعته لا بد من إثارة الاضطراب في موضعه، وإذا أردنا تحديد الموضع لا بد من إثارة الاضطراب في سرعته، ومن ثم فإن دقة تحديد أحد الجانبين تكون على حساب الدقة في تحديد الجانب الآخر. وهذا المبدأ الذي ينطبق على جسيمات الذرة قد لا يكون ملحوظا في الموضوعات الكبيرة، فيمكن إهماله بالنسبة للذرة ككل؛ لأنها كبيرة إلى حد ما فما بالنا بموضوعات الفيزياء الكلاسيكية، إنها من الكبر بحيث إن اصطدام شعاع الضوء بها لا يغير مسارها، أما في حالة جسيمات الذرة فإن الأمر يختلف؛ لأن التغيير الذي يحدثه الملاحظ وأدوات الملاحظة يجعل من المستحيل قياس الوضع والسرعة معا في نفس الوقت بنفس الدرجة من الدقة، هكذا لم يعد من الممكن إغفال أثر أدوات القياس والرصد والتجريب على الظواهر موضوع الدراسة.

وأصبح من الضروري في وصف العمليات الذرية، وضع خط فاصل واضح بين جهاز القياس الذي يمكن وصفه بالمفاهيم الكلاسيكية وبين الظاهرة دون الذرية التي تمثل دالة الموجة سلوكها. العلاقات الموجودة في كل من هذين الجانبين متميزة عن العلاقات الموجودة في الجانب الآخر، في الأول يمكن تطبيق المفاهيم الكلاسيكية أما في الثاني فلا بد من تطبيق معادلة التفاضل لميكانيكا الكوانتم، على أن وجود الخط الفاصل لا يبدو إلا في شكل علاقات إحصائية، وتأثير جهاز الدراسة على موضوعها هو إحداث إقلاق في منطقة الخط الفاصل الذي يفرض حدا قاطعا على تطبيقات المفاهيم الكلاسيكية.

22

هكذا أعلن مبدأ هيزنبرج الخروج النهائي من العالم الميكانيكي الحتمي، وفي واضحة الضحى.

صفحة غير معروفة