بهذا التبرير، الذي يبدو مقنعا، للملكية الخاصة الممتدة إلى موارد الإنتاج، وأيضا لتفاوتها بين شخص وآخر، كانت الليبرالية مع إمامها جون لوك؛ إنه يصوغ الليبرالية ويشكلها على أساس فكرة سادت القرن الثامن عشر تعرف باسم «القوانين الطبيعية»؛ ومؤداها أن ثمة قوانين طبيعية تحكم حياة البشر وتجمعاتهم وأنشطتهم، وتنظمها بصورة تلقائية، ويمكن لأي فرد أن يكتشفها باستبطان ذاته، ليجد مثلا أنه هو نفسه في تصرفاته وعلاقاته وتعاملاته الاجتماعية محكوم بقوانين طبيعية، كقانون «المحافظة على الذات» وقانون «التعاون مع الآخرين». والواقع أن فكرتي العقد الاجتماعي والقوانين الطبيعية هما الأساس الفلسفي لليبرالية؛ العقد الاجتماعي أساس السياسة الليبرالية، والقوانين الطبيعية أساس الاقتصاد الليبرالي، وهما بالتالي محورا الفكر الاجتماعي لجون لوك.
وكانت فكرة القوانين الطبيعية هي حيثيات دفاع جون لوك عن الملكية الخاصة، وأنه لا خوف منها مهما تضخمت، فهي محكومة بقوانين طبيعية، أي بحدود تلقائية طبيعية ومعقولة، أبسطها أن قدرة الفرد على العمل محدودة.
هكذا نلاحظ أن الملكية التي دافع عنها جون لوك كانت أساسا ملكية ناتج العمل، حتى إنه جاهر أن الدولة يجب عليها تأمين حدود التفاوت في الملكيات بحيث تضمن ألا يجور شخص على آخر، فيمتلك ما لا يرجع إلى جهده، وأننا إذا افترضنا جدلا أن ملكية شخص ما زادت على ناتج عمله، فإن هذه الزيادة ليست من حقه بل من حق الآخرين.
هذا حسن! ولكن كيف يمكن إلزام الواقع به من دون الخروج على مقتضيات الليبرالية التي أرادها جون لوك؟! يصعب أن تسعفنا القوانين الطبيعية في هذا الصدد.
الفيزيوقراطيون الفرنسيون
وقد حمل لواء الليبرالية في القرن التالي على جون لوك - أي في القرن الثامن عشر - جماعة من الاقتصاديين الفرنسيين، عرفوا باسم الفيزيوقراطيين أي أنصار الحكومة الطبيعية، وهم يمثلون أقوى اعتقاد بفكرة القوانين الطبيعية؛ فكما توجد قوانين عامة تحكم الطبيعة، ثمة قوانين عامة تحكم المجتمع.
أهم القوانين التي تحكم المجتمع قانونان: (1)
قانون المنفعة الخاصة التي تجعل كل فرد يعمل على تحقيق مصلحته الخاصة. (2)
قانون المنافسة الحرة ومؤداه أن كل فرد مجبول على منافسة الآخرين ومحاولة التفوق عليهم.
الثاني، أي قانون المنافسة الحرة ، يمثل ضوابط للأول أي لقانون المنفعة الخاصة؛ بعبارة أخرى قانون المنفعة يكفل تحقيق الصالح الخاص وقانون المنافسة يكفل تحقيق الصالح العام؛ أي أنهما معا يوفقان بين الصالح الخاص والصالح العام في آن واحد.
صفحة غير معروفة