auctor
التي تعني المالك أو المحدث أو الممارس للحق؛ ومن هنا كان زيوس عند الإغريق - ونظيره جوبيتر عند الرومان - إله كل الآلهة، لأنه مالك الملك وصاحب السلطة على الآلهة والبشر على السواء.
أصول الليبرالية
في العهود البدائية السحيقة من عمر البشرية، لم يكن ثمة بالطبع بنيان اجتماعي اقتصادي سياسي؛ ذلك لأنه لم يكن ثمة ملكية. وعلى حد تعبير طريف لأحد رواد الفكر الليبرالي هو جان جاك روسو (1712-1778م) أتت المشكلة من أول وغد وضع سياجا حول قطعة أرض، وقال هذه لي ولا شأن للآخرين بها، إنها ملكي! وقبل أن يأتي هذا الوغد لم يكن ثمة ملكيات، ولا حاجة لتنظيمها والحفاظ عليها؛ أجل كان ثمة فوضى، لكن كان الجميع أحرارا متساوين.
وحين استكمل الإنسان خروجه النهائي من فصيلة الحيوان، وبدأ يمارس أولى أنشطته الاقتصادية كالتقاط الثمار وصيد الحيوان ثم الزراعة، عرف قيمة العمل والإنتاج؛ وكان يحدث أن يسطو فرد كسول على إنتاج فرد آخر نشيط، وهو سطو قد يقتضي التعدي على الحياة ذاتها، مما جعل الإنسان على استعداد لهجر هذا الوضع المليء بالمخاوف والأخطار، حتى ولو كان هجرا يقتضي التنازل عن قطاع كبير من حريته للحاكم وللآخرين، إنقاذا للبقية الباقية من هذه الحرية. لقد ارتضى الجميع الدينوية لقوة أعلى تملك حق عقاب الخارجين والفصل بين المتنازعين، فيأتمر بأمرها جميع الأطراف. هكذا عرف الإنسان نظام الحكم والسلطة السياسية في المجتمع، والتي تطورت أيما تطور عبر تاريخه الطويل.
على هذا التفسير الأنثروبولوجي البسيط لنشأة الاقتصاد والسياسة، أي لنشأة تنظيم الثروة وتنظيم القوة في التجمع البشري، ترتكز الأسس الليبرالية، السياسية والاقتصادية على السواء.
فمن الناحية السياسية نلاحظ أن المسألة عقد - ولنضع خطا تحت عقد - بين الحاكم والمحكومين، ليقوم الحاكم بدور معين في تنظيم حياتهم، نشدانا لظروف أفضل للاجتماع الإنساني ولحياة البشر سويا؛ إنها فكرة العقد الاجتماعي التي اهتم بها الفلاسفة الليبراليون، خصوصا جون لوك وجان جاك روسو - وفيما بعد الفيلسوف جون رولز - أيما اهتمام؛ وذلك ليحدوا من طغيان الملوك ويلزموهم بحدودهم، ليخبروهم بأنهم في خدمة الشعب وليسوا ملاكا لقطيع.
وحقا إن فيلسوف الديكتاتورية الإنجليزي توماس هوبز
Thomas Hobbes (1588-1679م) قد سبقهم في الاهتمام بفكرة العقد الاجتماعي، ليصل إلى نتائج مخالفة كثيرا، إلا أن مقتضى الفكرة على كل حال هو أن تفسير نشأة السلطة الحاكمة، وأيضا طبيعتها ودورها أولا وأخيرا، عقد بين الحاكم والمحكومين الذين يدينون له بالولاء والطاعة، فقط ليقوم بدور معين في حياتهم - كما ذكرنا، بحيث إنه إذا عجز أو فشل أو انحرف في أداء هذا الدور الذي خوله له المحكومون، أصبح من حقهم عزله وإبرام عقد جديد مع حاكم آخر.
من هنا انطلقت الليبرالية - مسلحة بفكرة العقد الاجتماعي - لتؤكد رفض حق الملوك الإلهي في الحكم، أو أنهم ورثة الله على الأرض كما كان شائعا في العصور الوسطى الإقطاعية والعصور القديمة. بهذا الرفض الذي أصبح الآن أمرا مسلما به، بل وبديهية في غير حاجة إلى الذكر فضلا عن النقاش، أنجزت البشرية بعضا من أعظم خطوات التقدم الاجتماعي في تاريخ البشر. لقد استبدلت حكم القانون بحكم الفرد، وجعلت الشعوب مواطنين لا رعايا، واستطاعت أن تسير قدما في هذا الصدد مرسية الدعائم الحديثة للحكم الديمقراطي المنشود، وتأكيد حق المواطنين في الإشراف على الحكم من خلال ممثلين مختارين أو نواب، ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث - التنفيذية والتشريعية والقضائية - والذي أصبح الأساس الديمقراطي المكين بعد أن وضع مونتسكيو (1689-1755م) كتابه الخالد ذا الأجزاء الثلاثة «روح القوانين». ودأبت الليبرالية على وضع أقصى ضمانات ممكنة لضبط ممارسة السلطة لعملها، وللحيلولة بينها وبين صور الانحراف السلطوي التي شد ما عانت منها العصور الوسطى والقديمة، كالعسف والظلم والديكتاتورية وتكديس الأموال بلا حدود وبلا قانون.
صفحة غير معروفة