فالإمام هو المسئول عن إقامة الحدود والأخذ فيها بالتشديد أو التخفيف، ولكنه مسئول أمام الجماعة، وإجماع المسلمين مصدر من مصادر التشريع.
والعقوبات القرآنية تكفل للمجتمع حاجته التي تغنيه من العقوبة؛ وهي قيام الوازع ورهبة المحذور.
ولكنها لا تحرم الفرد حقا من حقوقه في الضمان الوثيق والفرصة النافعة، وأول ضمان للفرد فيها شدة التحرج في إثبات التهمة، وتأويل الشبهة لمصلحته في جميع الأحوال، وتمكينه من الصلاح والتوبة إذا كان فيه مستصلح ومتاب.
وإذا خيف أن يؤدي التشدد في حماية الفرد إلى إسقاط العقوبات والاجتراء على المحظورات فالإمام موكل بالنظر في منع تلك المحظورات من طريق الزجر والتعزير، وقد تقدم أن التعزير يتناول الحبس والضرب والغرامة المالية، ويعاقب به فيما دون الحدود.
وقد يرى الإمام أن اجتماع الشهود الذين يثبتون التهمة غير ميسور في بعض الأزمنة؛ إما للخوف والتحرج، أو لشيوع الباطل والزور، أو لاختلاط المسلمين بغير المسلمين، أو لاتخاذ الأماكن التي تدارى فيها المحظورات، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فإن رأى ذلك ورأى أن الإعفاء من الحد مضرة ومفسدة فله أن يجمع بين ضمان الأمة وحمايتها، وبين إعطاء الفرد حقه من الضمان والحماية، فيعاقب بما يراه صالحا للأمرين من ضروب التعزير.
وأيا كان القول برعاية الحرية الشخصية في فرض العقوبات فليس في وسع غال من غلاتها أن يقطع بأن مسألة الزنا أو مسألة السكر من المسائل الفردية التي يترك فيها الأمر كله لآحاد الناس؛ ففي الزنا والسكر مساس بقوام الأسر وأخلاق الجماعة، وسلامة الذرية لا مراء فيه، ومتى بلغ من الزاني أن يشهده أربعة شهود عدول، وبلغ من السكير أن يصل إلى القاضي بين شاهدين عدلين والخمر تفوح من فمه؛ فليست المسألة هنا مسألة فرد يفعل ما يحلو له بينه وبين نفسه، ولكنها مسألة المجتمع كله في كيانه وأخلاقه وأسباب الأمن والطمأنينة فيه، وقد تبدو من هذا حكمة من حكم الشرائط التي اشترط الشرع الإسلامي توافرها لإقامة الحدود العلنية بين الناس.
ننتهي من ذلك كله إلى نتيجتين يقل فيهما الخلاف حتى بين المسلمين وغير المسلمين؛ وهما: أن قواعد العقوبات الإسلامية قامت عليها شئون جماعات البشر آلاف السنين وهي لا تعاني كل ما تعانيه الجماعات المحدثة من الجرائم والآفات، وأن قواعد العقوبات المحدثة لم تكن تصلح للتطبيق قبل ألف سنة، وكانت تنافر مقتضيات العصر ذلك الحين، ولكن القواعد القرآنية بما فيها من الحيطة والضمان ومباحث التصرف الملائم للزمان والمكان، قد صلحت للتطبيق قبل ألف سنة، وتصلح للتطبيق في هذه الأيام، وبعد هذه الأيام.
الإله
قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد .
1
صفحة غير معروفة