وقد نشأت الدعوة الإسلامية بين أقوام يحاربونها، ويكيدون لها، ويصدون الناس عنها، وأمر المسلمون بقتال من يقاتلونهم في غير عدوان، ولا شطط:
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .
7
وكانت جزيرة العرب جزيرة بالمعنى السياسي - لا بالمعنى الجغرافي وحده - إذا نظرنا إلى الدول التي أحدقت بها في عهد الدعوة الإسلامية وتربصت بها الدوائر للإيقاع بالدعوة ودعاتها في إبان نشأتها، وكان على رأس تلك الدول أصحاب السلطان الذين يصدون عن سبيل الله؛ ذيادا عن عروشهم، واستئثارا بمنافعهم، وإطالة في أمد سلطانهم، ولا يرجعون في ذلك إلى الحجة والبيان؛ بل إلى السيوف والرماح، فإذا حورب هؤلاء فإنما يحاربون بسلاحهم؛ ولا يحاربون بالجدل والبينة الحسنة، السيف للسيف، فإذا انكسر سيف السلطان بقي رعايا الدول أحرارا فيما يختارون لأنفسهم من دين آبائهم، أو من الدين الجديد:
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم .
8
فمن اختار الدين الجديد فهو مسلم كالمسلمين فيما له وفيما عليه، ومن بقي على دين آبائه فليس عليه غير ضريبة المحكوم للحاكم، ويمنعه الحاكم بعد ذلك مما يمنع منه المسلمين، ويحميه كما يحميهم ويعوله كما يعولهم، ثم لا يطلب منه جهاد ولا ذياد كما يطلب من المسلمين.
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
9
ولم يقل الكتاب: قاتلوهم حتى يسلموا كرها إن كانوا لا يسلمون اقتناعا! وكل ما هنالك من حكم السيف أنه قد أبطل حكم السيف الذي لا يدين بالحجة ولا بالرأي، وترك الناس لضمائرهم يدينون بما اختاروه من دين.
صفحة غير معروفة