ليس هو الإله الأحد؛ لأن مذهب أفلوطين في الإله على غرار مذهب أرسطو في التنزيه والتجريد، ويتجاوزه كثيرا في عزل الوجود الإلهي عن هذا الوجود المحسوس.
فعند أفلوطين أن «الأحد» أرفع من الوجود، وأرفع من الوعي، وأرفع من التقدير، وأنه لا يحس ذاته؛ لأنه واحد لا يتجزأ، فلا يكون فيه بعض يتأمل بعضا، كما يحدث في حالة الإحساس.
وعنده أن المادة أو الهيولى لا تعقل ولا تقدر، ولا تقيم ميزان الحساب.
فإذا أردنا أن نسمي القدر في مذهب أفلوطين باسم مطابق لمراده فهو على الأصح قدر الضرورة التي لا محيص عنها في عالم الأرواح، أو في عالم الأجساد.
فالخلق يصدر من الله ضرورة؛ لأن الخالق يفيض بالإنعام، ضرورة من ضرورات الخير التي لا تنفصل عن آثارها، ولا بد لها من أثر.
والأرواح تصدر من الخالق ضرورة، على طبقات تتعالى وتتدانى، على حسب اقترابها من مصدرها الأصيل.
وكل روح يتصل بالمادة حتما؛ لأنه يقتبس طبيعة الخلق من مصدره الأول فيمتزج بالمادة؛ ليحكي فيها قدرة الخالق على الإعطاء والإنعام والتكوين.
ومتى اتصل بالمادة فهو يغالبها وتغالبه، وينتصر عليها أو تنتصر عليه.
فإذا غلبها ارتفع حتما في معارج الروح، وإذا غلبته بقي حتما في إرهاق الهيولى وحدث له حتما ما يحدث لكل روح وهيولى في مثل ذلك المزيج، كما يحدث التحول حتما في مزيج العناصر المادية، كلما امتزجت على نحو مقدور. •••
ومن المناسب أن نستطرد في تلخيص آراء الفلاسفة في القدر من ذلك العصر إلى العصر الحديث، قبل أن ننتقل إلى مذاهب الأديان ومذاهب العلماء الذين عرضوا للمسألة من جانب العلوم الطبيعية كما عرفت في القرن العشرين.
صفحة غير معروفة