فإذا كانت الحياة معاني تقوم على الوعي الذي لا يوجد في المادة ويكفيها مثل هذا الحيز من الامتداد وهو أقرب إلى المعقولات منه إلى المحسوسات، فماذا أبطل الماديون من القول بقوة الروح المعنوية؟ أو ماذا أبطلوا من القول بتوسط هذه المعاني بين الوجود المجرد والوجود المحسوس؟
إذا كانت الحياة لا توجد في كل مادة، وكانت المادة الخاصة التي توجد فيها تتلقاها معاني لا يحصرها الحس، وتأخذ منها كل هذه الأجسام التي تملأ فضاء الكرة الأرضية، فهل هذا هو تفسير السر المغلق، أو هذا هو السر المغلق الذي يدق عن العقول؟
وأي أجسام بل أي آكام من الأجسام؟ أهي أجسام وكفى تتساوى في جميع الأشكال والأحجام؟
كلا، بل هي أجسام تختلف كل ذرة منها عن كل ذرة، ولا تنوب واحدة منها عن الأخرى أو تختلط شخصية منها بشخصية سواها، فأين يبتدئ التلغز والتخمين إذا كان هذا نهاية التفسير والتبيين؟ •••
وإذا كان الماديون قد بلغوا بتجريد قوة الحياة أقصى ما يستطيعه المادي من صفات التجريد، فإن القول بالتجريد المطلق لا يقطع الكلام في مسألة الروح ولا يتركه بغير بقية طويلة تستتبع الأسئلة الكثيرة بغير جواب.
فهل الجوهر المجرد البسيط يقبل الفناء؟ وهل كان معدوما قبل أن يوجد؟
إن فريقا من الفلاسفة يقول: إن الجوهر البسيط لا يتغير ولا يفنى؛ لأن الانحلال إنما يأتي من جهة التركيب وليس في الجوهر البسيط مركب، وما ليس بقابل للفناء غير قابل للإيجاد بعد عدم، وليس له ابتداء ولا انتهاء.
وبعض المتدينين يقول بقدم العالم كله؛ لأنه لا يخلق في زمان، والجواهر البسيطة من باب أولى قديمة على هذا الاعتبار، وقد يستشهد هؤلاء على قدم الروح بأنها من روح الله
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون .
2
صفحة غير معروفة