The Human Mind » في مجلدين، 1892)، وقد عده أساس كل المعرفة التي ترمي إلى توجيه وتحديد مجرى الفكر والشعور والعمل. وهكذا قلد «بين» في مد علم النفس إلى مجال نظرية التربية، (وذلك في «المجمل» الذي كتبه مع إشارة خاصة إلى مجال نظرية التربية، ثم بعد ذلك بوقت قصير في: «الموجز في علم النفس للمعلمين
Teachers Hand-Book of Psychology »، 1886، الذي ظهرت له ترجمة ألمانية في 1898)، كذلك عالج ميدان علم نفس الطفل (في كتابه «دراسات في الطفولة
Studies of Childhood »، 1895) ومضى في هذا الصدد أبعد من «بين» بكثير، كما اقتدى بالاتجاه السائد في عصره إذ عالج أيضا علم النفس التجريبي، الذي كان مقتنعا بفائدته، ولا سيما في التعليم. وأخيرا، فإن شغفه بالتجربة قد جعله يوجه اهتمامه إلى علم الجمال؛ وبذلك فتح للمذهب التجريبي مجالا كان جديدا، أو على الأقل مجالا طال تجاهله منذ القرن الثامن عشر، ولكنه أيضا اقتصر على بحث سيكولوجية الظواهر الجمالية، واكتفى بالتصنيف والتحليل والوصف، بحيث أخفق في المضي بالدراسة إلى مجال جديد أو في السير بها في طريق فلسفي، وإنما اقتصر على تطبيق المنهج القديم على مادة من نوع جديد (وذلك في مقاله عن «علم الجمال» الذي كتبه ل «دائرة المعارف البريطانية» في طبعتها التاسعة، عام 1875، وفي بعض الأبحاث التي نشرها في مجلات دورية).
ولقد كان الأصل الذي ظهرت من خلاله الحركة التجريبية لدى الكتاب الذين ذكرناهم منذ قليل هو الأبحاث النفسية قبل كل شيء، غير أن اتجاها آخر قد تفرع منها، وكرس أبحاثه لفلسفة التاريخ، ولا بأس من أن نلم هنا بشيء عنه بإيجاز، فقد أثار مل، ومعه كونت في نفس الوقت، الاهتمام بالعلوم الذهنية وبمناهجها وطابعها المنطقي، وقد اعتقد هذان المفكران أنهما إذا نقلا منهجي القانون الطبيعي والعلية الدقيقين إلى عالم التاريخ السياسي والاجتماعي الذي تمثله هذه العلوم، ففي إمكانهما أن يفسرا معناها وغايتها، وحاولا أن يختبرا هذه الفكرة، ويبرراها بقدر الإمكان، من خلال البحث في التاريخ المعاصر لهما، وكان من نتيجة ذلك أن أدخل عنصر فلسفي في فهم التاريخ، وبالتالي حدث تقارب مع الأبحاث التاريخية لعصر التنوير، وهي الأبحاث التي كانت زاخرة بالأفكار الفلسفية، ولا سيما لدى فولتير وهيوم. وهكذا ألف جورج جروت
G. Grote
تلميذ بنتام وصديق مل (انظر من قبل [الباب الأول: المدارس الفكرية المتقدمة - الفصل الثاني: المدرسة النفعية التجريبية]) كتابه «تاريخ اليونان » (في ستة مجلدات 1845-1856) بروح فلسفية، وإن لم يبلغ في ذلك حد الإفراط، وكانت أروع وأهم المحاولات التي بذلت في إنجلترا في هذا الصدد، هي محاولة «توماس هنري بكل
T. H. Buckle » (1821-1862) مؤلف الكتاب المشهور «تاريخ المدنية في إنجلترا
History of Civilization in England » (وكان المفروض أن يشتمل المؤلف بأكمله على أربعة عشر مجلدا، ولكن لم يظهر منه إلا الاثنان الأولان بوصفهما مقدمة، في عام 1857 و1861، وقد طبعهما
Ritter
طبعة ألمانية غير محددة التاريخ)، وعلى الرغم من أن بكل لم يكن تلميذا لأي أستاذ معين، فقد تأثر بقوة بالأفكار الوضعية، وكان الأساس الفلسفي لتفسيره للتاريخ مكونا من أفكار مل وكونت على السواء، فضلا عن مفكري عصر التنوير الإنجليز والفرنسيين من قبلهم، ولهذا الأساس الفلسفي صلة وثيقة جدا بالنظرة المادية؛ إذ إن الفكرة الرئيسية فيه هي أن الحياة الروحية وكل التقدم الحضاري تتوقف على الأحوال المادية للبيئة، أي على عوامل المناخ والتربة والتغذية، وهذا يستتبع بطبيعة الحال نقل مناهج العلم الطبيعي إلى علوم التاريخ والحضارة. وقد استخلص بكل النتائج الجريئة التي تتلو من هذا الرأي، فعالم التاريخ يخضع لنفس القوانين العلية الدقيقة التي يخضع لها عالم الطبيعة، وفي الطبيعة البشرية اطراد يناظر الاطراد في مجرى الطبيعة المادية، بحيث لا يحدث أي شيء في أحد المجالين إلا وفقا لتعاقب ضروري، ويحتل الإحصاء في التاريخ نفس المكانة التي تحتلها الرياضة في العلوم الطبيعية، فهذان العلمان يقومان بحساب دقيق لجميع العوامل التي تنتج وتحدد حادثا تاريخيا أو وضعا اجتماعيا معينا، ولقد كان «بكل» مؤمنا إلى حد التعصب بمقدرة الإحصاء، واستخلص بالاستناد إليه نتائج جريئة معروفة، ولم يكن اهتمامه موجها إلى الشخصيات الفردية وأفعالها الإرادية الحرة الظاهرة، بقدر ما كان موجها إلى العوامل المطردة العامة التي تعبر عنها الحركات الجماهيرية الكبيرة، فالأخيرة، لا الأولى، هي التي تشكل تلك الحياة التي تتجسد في التاريخ والحضارة، ولسنا نستطيع أن نتخيل تقابلا أوضح من ذلك الذي قام بين طريقة «بكل» الجماعية الواقعية في كتابة التاريخ ، وبين طريقة معاصره كارليل الفردية المثالية البطولية. ولقد كانت أفكار «بكل» مستمدة، بوجه عام ، من القرن الثامن عشر، ومن هنا لم يكن خصومه على خطأ حين سخروا منه قائلين: إنه ابن لعصر التنوير تأخر ظهوره قرنا من الزمان. ولقد حارب الدين والكنيسة بوصفها قوى تمثل الجهالة في التاريخ، وكان لديه إيمان متعصب بالتقدم، لم يكن مبنيا لديه على أي أمل في التقدم الأخلاقي للجنس البشري، وإنما بني على التوسع المتزايد في المعرفة والتنوير بفضل العقل. وعلى الرغم من أنه ربط الروح بالطبيعة، فقد كان يؤمن بقدرة الروح على إخضاع الطبيعة والسيطرة عليها، وذلك بين الشعوب التي تتحقق فيها شروط النمو والتقدم عن طريق تزايد انطباع حياتها بالطابع العقلي بفضل العلوم الدقيقة والنقد الفلسفي (الذي عزا إليه وظيفة حضارية ذات أهمية خاصة).
صفحة غير معروفة