209

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

تصانيف

للتعبير عن معنى الخروج عن ذاته والوحي على التوالي)، كل ذلك ينبغي ألا يفهم على أنه قول «بشمول الألوهية

pantheism »، فالعملية ليست صدورا، وإنما هي عملية ديالكتيكية، والمطلق يشمل السلب المحض، بوصفه جزءا من ماهيته، وعن طريقه يتكون في مقابله الوجود المغاير له - أي المتناهي والزمني والفردي - ومع ذلك يظل الله متغلغلا في هذا الوجود المغاير ومشتملا عليه، بحيث إن الشخص المتناهي يظل محتفظا بفرديته، حتى في الوحدة الصوفية مع الله، التي يصفها لوري بلغة كلها وجد وشوق.

أما آراء لوري في الإنسان فترجع إلى رأيه في المراحل الثلاث للوعي، فليس في وسع الإنسان أن يظل في مرحلة الإحساس المميز، التي يكون فيها الإنسان مجرد مركب حيواني من رغبات ونزعات وإحساسات جزئية. فلما كان الإنسان قد وهب عقلا، فإنه يهدف إلى تحوير هذه العناصر غير المنظمة بحيث تدخل في الوحدة العاقلة لشخصية أخلاقية، فالتجربة البشرية هي ديالكتيك للإرادة، ما دامت تنطوي أساسا على شوق إلى المثل الأعلى والمطلق. ومن يخفق في مسايرة هذا الديالكتيك الإرادي يهبط إلى مرتبة أدنى، أما من يسايره ويحقق ذاته الحقة، فإنه يشارك - حتى في أثناء خضوعه لقيود الزمان - في الحياة الأزلية لله، ويصطفيه الله ليكون زميلا له في تحقيق غاياته الأزلية؛ ذلك لأن الله في هذا العمل محتاج إلى الإنسان.

وعند هذه النقطة يجمع لوري خيوط خطته الطموحة ليصل بها إلى قمة شامخة، فالعنصر السلبي للأشياء يعود إلى الظهور ثانية في صورة الشر، والشر هو «إخفاق الإله الخلاق في تحقيق المثل الأعلى للفرد والكل على مستوى الوجود الذي يشغله الإنسان.»

122

ولا شك أن من المفزع الكلام عن إخفاق الله، ولكنا عندما نفكر في الشر، وفي العنصر اللامعقول في العالم، وفي «اللا الدائمة

everlasting No » (ويأخذ لوري هذا التعبير عن كارليل)، نضطر إلى أن نطرح جانبا التعبيرات المريحة التي ألفها العرف السائد. فلا يمكن أن يكون الألم والشقاء والخطيئة عناصر تنتمي إلى خطة الخالق؛ لذلك نضطر إلى أن نفترض أن المبدأ السلبي قد أثبت - على نحو ما - أنه أقوى من أن يتغلب عليه الله. وإذن فالشر حقيقة في نظام الكون، ولا بد، بهذا الوصف، أن يكون مصدره هو الله، ولكنه لا يمكن أن يكون قد أتى عن طريقه. وهكذا يتقدم لوري إلينا - كما فعل الكثيرون من معاصريه - بفكرة إله محدود، تقابله صعوبات محيرة، ويعاني هو ذاته من خلقه، ويسعى إلى التغلب على نواحي النقص فيه، ويحتاج من أجل نجاح مسعاه إلى مساعدة الإنسان، وبهذا المعنى تكون الموجودات المتناهية شريكة لله في الألم، وفي العمل والجهد، بل إنها - على الرغم من تناهيها - ترتبط بالله إلى حد يتعين معه أن نفترض خلودها، «فالإنسان الذي يصبو، في هذا المكان والزمان، إلى الوحدة مع الله، يجعل من نفسه - لهذا السبب ذاته - خالدا، بقدر ما يدمج روحه المتناهية في حياة الروح الأزلية ذاتها، وينجرف في تيار ذلك الذي لا يموت.»

123

فالإنسان إلهي بقدر ما يكون إنسانا، أو بقدر ما يكون كائنا عاقلا، وبالتالي لا مفر له من المشاركة في الحياة الإلهية، وهذا هو ضمان الخلود الذي لا يمكن أن يمدنا به البحث التجريبي بطبيعة الحال.

يقف تفكير فوست بمعزل عن الفلسفة المصطبغة بالمعقولية، مثلما ظل هو نفسه بمعزل عن الحياة الأكاديمية، فهذا التفكير يمثل نمطا في الفلسفة نادرا نسبيا في إنجلترا، ولكنه شائع نسبيا في البلدان الأخرى، ونستطيع أن نطلق عليه اسم «المثالية الخيالية

صفحة غير معروفة