انضم سورلي إلى الحركة الجديدة في وقت مبكر؛ إذ نجد في كتاب «مقالات في النقد الفلسفي» مناقشة أجراها للمنهج التاريخي. وقد كان الموضوع الرئيسي لكتاباته التالية هو المسائل الأخلاقية، التي نقدها ونظمها من وجهة النظر المثالية، وقد بحث مشكلات فلسفة القيمة على نحو أدق وأعمق، مما بحثها معظم أفراد المدرسة، وأحرز في مذهبه نتائج أعظم. وكان بحثه مرتبطا بدراساته الأخلاقية ارتباطا وثيقا، وكان تعلقه بكانت وهيجل، على وجه العموم، أقل مما كان شائعا بين زملائه من المثاليين. غير أنه استبق تمييز كانت للوجود إلى عالمين: عالم الطبيعة وعالم الغايات، وكان يماثل هيجل في سعيه إلى بناء مذهب وتعلقه الدائم بالكل، وبهذا كان يواجه كل أنواع الثنائية بمحاولة تجاوزها في وحدة أعلى.
وقد تضمن كتاباه الأولان: «أخلاق المذهب الطبيعي» «والاتجاهات الأخيرة في علم الأخلاق» نقدا عميقا لمختلف صور الأخلاق الطبيعية، فبين أولا أن أصل الأفكار والأحكام الأخلاقية لا يمكن أن يقرر شيئا بشأن مشكلة قيمتها؛ إذ لا يوجد طريق يؤدي من الواقع إلى القيمة، ومما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، وهي فكرة استمدها من لوتسه، كما بين ثانيا أن المراحل الدنيا، في العملية التطورية، ينبغي أن تفهم في ضوء المراحل العليا وليس العكس. وقد عرض فيما بعد مذهبه كاملا في كتابه الرئيسي «القيم الأخلاقية وفكرة الله»، ولخصه في مقال «القيمة والواقع».
فالوجود في كليته، الذي تكون مهمة الفلسفة هي الوصول إليه، يشمل عالمين مختلفين كل الاختلاف، عالم ما هو واقعي فحسب أو موجود، وعالم ما له قيمة. فالتقويمات شأنها شأن الإدراكات الحسية، من بين المعطيات الأصلية للتجربة، وصحيح أن فعل التقويم، وكذلك فعل الإدراك، هما فعلان ذاتيان، غير أن الموضوعات التي يتجه إليها هذان الفعلان ليست ذاتية، فبأي معنى إذن تكون القيم موضوعية؟ يرد سورلي على هذا السؤال قائلا إنها تكون موضوعية بقدر ما تكون علامة مميزة للشخصية، فالأشخاص ينتمون إلى النظام الموضوعي للأشياء، وهم في نفس الوقت حملة القيم التي تظهر في حياتهم وشخصياتهم. وهكذا فإنهم ينتمون إلى كلا العالمين اللذين أشرنا إليهما.
هذه الأفكار، التي ترجع أصلا إلى كانت، قد اكتسبت طابعا خاصا بفضل ارتباطها بلوتسه وفلسفة القيم المستمدة منه، والتي وضعتها مدرسة بادن
Baden ،
99
واتفقت مع مذهب ريكرت
Rickert
100
اتفاقا يكاد يكون تاما، ولقد كان لهذا الاتجاه الفكري ذاته، الذي لم يلق في إنجلترا اهتماما كبيرا، تأثير قوي في أجزاء أخرى من مذهب سورلي، فعرضه لمناهج العلوم، مثلا، مستمد من ريكرت، ولا سيما فكرته عن العملية التعميمية في العلوم الطبيعية والعملية التخصيصية في العلوم التاريخية، ونظرته إلى الأولى على أنها تقوم بتجريد القيم، والثانية على أنها متوقفة على القيم، ولما كان مقر القيم هو الأفراد، والأفراد يتميزون بفردانية كيفية وعددية، فإن هذه الصفات تنتمي إلى ماهية ما له قيمة.
صفحة غير معروفة