166

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

تصانيف

في الأخلاق، وفولكمان

Volkmann

في علم النفس.

ولكن لم يكن لواحد من هؤلاء تأثير حاسم بأية حال. فلسنا نملك إلا أن نؤكد أن برادلي هو الذي صاغ فلسفته الخاصة، التي انبثقت عن أصالة فكرية حقيقية، ونمت ونضجت في جوها الخاص. على الرغم من رفضه المتواضع لكل وصف له بالأصالة، وهو رفض قد يراه المرء متكلفا في بعض الأحيان، فإنا لا نملك إلا أن نعده مفكرا مستقلا إلى أبعد حد، بل مفكرا هوائيا عنيدا. وهذا واضح في كل سطر كتبه، وفي جمود أسلوبه وخشونته، وفي طريقته الجافة التي تكاد تكون قاسية عنيفة، في التخلص من خصومه، وفي الطريقة التي ألف بها كتبه، وهي الطريقة التي لا يحس معها المرء أن هذه الكتب عرض هادئ موضوعي محكم، وإنما يشعر بأن الكاتب يخاطب ذاته، أو يجري مع القارئ محادثة منطلقة بلا قيود، تكون أحيانا بسيطة وصريحة إلى أقصى حد، وأحيانا أخرى تتخللها دعابات جافة خفيفة الوقع أو لاذعة، واستطرادات تهكمية ساخرة، واندفاعات ثائرة، وسخرية من خصومه أو من نفسه. ولقد كان يحب المواقف الممتنعة، ويؤثر غير المألوف، وينتقل بين الأضداد ويطرب للمتناقضات، ويحلق عاليا، ولكنه نادرا ما كان يدع أقدامه تترك الأرض الصلبة. وكان سفسطائيا شكاكا توكيديا صوفيا في آن واحد. ومن هنا كانت فلسفته تتسم بكل ما في الحياة من تنوع وتلون، وبما فيها من فردية لا تتكرر أيضا، إذ إن أي تقليد لها لا يمكنه أن يحتفظ بقوامها ومذاقها المميز. وفضلا عن ذلك فقد كان تفكيره مرنا إلى حد غير عادي، فكان يؤثر المواقف الانتقالية على النتائج النهائية، ويعمل على الدوام على صهر هذه المواقف وإعادة تشكيلها في ديالكتيك ذهنه غير المستقر. ويتميز فكره كله بقدر غير قليل من نزعة الشك، ولكنها ليست نزعة الشك المميزة لذهن هدام، بل لذهن حي مصقول إلى حد بعيد، يعلو بإرادته على الأشياء ويتمتع باللهو معها، بدلا من أن يقبض عليها ويكتفي بحقيقة واحدة لا يمكن مع ذلك أن تكون نهائية. وإنه ليذكرنا كثيرا بطريقة هيوم الاستخفافية، المفتقرة إلى الشعور بالمسئولية، في معالجة مشكلاته. ولم يكن لبرادلي اهتمام كبير بالديالكتيك الهيجلي منظورا إليه على أنه منهج فلسفي دقيق، ولكنه يطبقه على نحو ضمني في طريقته المرنة في الانتقال على الدوام من موقف إلى آخر. ويمكننا أن نسمي طريقته ديالكتيكية، طالما أننا نعني بذلك ارتقاء ذهن أشد قلقا من أن يقنع بنتائج يقينية مزعومة، إلى مستويات للفكر تزداد علوا. فلذة البحث والكشف أعظم عند برادلي من لذة الامتلاك، «فعلينا - في الفلسفة - ألا نسعى إلى الرضا المطلق ... فالفلسفة ليست إلا ممارسة جانب واحد من طبيعتنا والتمتع به.»

68

والنوع الوحيد المشروع من الشك هو التخلي عن أمل الوصول في أي وقت إلى امتلاك نهائي للحقيقة. أما ذلك الذي يطلق عليه عادة اسم نزعة الشك فإنه يسميه بالقطعية الانتحارية

Suicidal Dogmatism .

غير أن برادلي كثيرا ما كان يعبر، بنفس المرونة والحيوية التي أبرزنا أهميتها، عن موقف مخالف تماما، فالحقيقة «هي ما يرضي العقل

Intellect » و«الفلسفة ترمي إلى الرضاء العقلي، أي بعبارة أخرى إلى الحقيقة النهائية.»

69

صفحة غير معروفة