الفلسفة بصيغة المؤنث

رشيد العلوي ت. 1450 هجري
20

الفلسفة بصيغة المؤنث

تصانيف

1

اهتمت نانسي فريزر بمفهوم الفضاء العمومي عند هابرماس بالنظر إلى قيمته السياسية التي تساهم في فهم الملابسات التي تعترض الحركات الاجتماعية التقدمية والنظريات السياسية التي ترتكز عليها؛ فقد مثلت هذه النظرية طوال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين إسهاما مباشرا في فهم التغيرات السياسية التي أعقبت ثورة مايو 68، بعد ظهور الحركات الاجتماعية الجديدة من قبيل: الأقليات العرقية والإثنية، الحركة النسائية، حركات الحقوق الجنسية، حركات الثقافات واللغات المهمشة، حركة العاطلين عن العمل، والحركات المتصلة بمختلف المشاكل التي أفرزتها الرأسمالية عبر تطورها التاريخي. (1-1) حدود النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البرجوازي

وينصب اهتمام فريزر أساسا على محاولة تجديد أطروحات النظرية النقدية، من خلال مراجعة مواقف الجيل الأول والثاني من أجيال مدرسة فرانكفورت، وفي هذا السياق راجعت نظرية هابرماس في الفضاء العمومي أو فيما تسميه «النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البرجوازي»، لبيان صلته بالنظرية النقدية المعاصرة، ولفحص الأسس السياسية والفلسفية التي قام عليها، من أجل صياغة أطروحة جديدة تطلق عليها تسمية «الفضاء العمومي ما بعد البرجوازي»

l’espace public post-bourgeoisies .

وتؤكد أن المشكلة الأولى التي يطرحها مفهوم الفضاء العمومي الهابرماسي تكمن في العلاقة بين الدولة وأجهزتها من جهة؛ والفضاءات التعبيرية العمومية وجمعيات المواطنين من جهة أخرى، ذلك أن النموذج الكلاسيكي للدولة (الاشتراكي والماركسي) يفرض رقابة الاقتصاد للدولة الاشتراكية التي تراقب أيضا مجموع المواطنين الاشتراكيين. فالتشابك واللبس الذي يكتنف العلاقة بين أجهزة الدولة والفضاء العمومي وجمعيات المواطنين يعود إلى الشكل التحكمي والسلطوي للدولة الاشتراكية في مجمل الفضاءات والتنظيمات، وهو شكل لا ديمقراطي ولا تشاركي يستدعي بدوره طرح السؤال حول الديمقراطية الاشتراكية ذاتها كما طبقتها الأنظمة الستالينية، ونفس الأمر ينطبق على الديمقراطية البرجوازية التي طوقت الفضاء العمومي السياسي وأطرته بأطر وتشريعات قانونية وطنية لم تعد تستجيب لحاجيات المواطنين اليوم. ولذلك فإن كلا النمطين: البرجوازي والاشتراكي على حد سواء لم يعودا صالحين لنمط العيش المشترك اليوم، أي في عالم يحتاج إلى مواطنة كونية تنتفي فيه الحدود الوطنية الويستفالية.

تعتبر فريزر أن نظرية الفضاء العمومي تمتلك «قيمة مفهومية»، بحيث تساعدنا على فهم بعض المشكلات المعاصرة المتصلة مباشرة بالديمقراطية، وتحدد الفضاء العمومي بكونه «فضاء المجتمعات الحديثة؛ حيث تمر المشاركة السياسية عبر اللغة، إنه فضاء المواطنين الذين يناضلون من أجل مصالحهم المشتركة، فضاء يمأسس تفاعلا تداوليا».

2

وترفض التعريف الهابرماسي الذي يحدد المشاركة في جمهور مثقف يتقن استعمال العقل بشكل نقدي؛ لأن المجتمع المعاصر يختلف جذريا عن مجتمع القرن الثامن والتاسع عشر، مؤكدة في الآن ذاته أنه رغم ما يمكن أن يقال من مؤاخذات على نظرية هابرماس، فإن مفهوم الفضاء العمومي «ضروري للنظرية النقدية للمجتمع وللممارسة السياسية الديمقراطية»؛ لأنه مكان منفصل عن الدولة، وفضاء لإنتاج ونشر الخطاب النقدي تجاه الدولة، لا بد له من أن يتمثل كاقتصاد غير رسمي (اقتصاد الدولة) وخال من علاقات السوق، إنه فضاء لعلاقات التخاطب يسمح بالنقاش والتداول. فإذا حولت الرأسمالية الفضاء العمومي إلى مكان للبيع والشراء فإن الفضاء الذي يلائم النظرية النقدية المعاصرة ينبغي أن يتجاوز النموذج البرجوازي بحيث: «لا يمكن لأي محاولة لفهم حدود الديمقراطية الرأسمالية المتأخرة أن تتم دون اللجوء والاستعانة بطريقة أو بأخرى لبذل الجهود من أجل تطوير نماذج بديلة للديمقراطية.»

أبانت أركيولوجيا هابرماس عن عظمة وانحطاط الفضاء العمومي البرجوازي المحدود في التاريخ من جهة، ومن جهة أخرى عن تساؤله عن قانون النموذج المعياري المتعلق بهذه المؤسسة والتي يطلق عليها اسم «النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البرجوازي»، وكان هدفه فيما ترى فريزر مزدوجا:

قصد فحص الشروط التي جعلت هذا النمط من الفضاء العمومي ممكنا.

صفحة غير معروفة