Functional
للحياة. ومن سوء الحظ أن هذا التمييز، على قدر ما له من أهمية، صعب الفهم إلى حد بعيد. وهو يمثل بالنسبة إلى معظم الناس خروجا جذريا عن كل العادات الفكرية السابقة، يشعرون معه وكأنه قد طلب إليهم فجأة أن يفكروا بلغة جديدة. (1) النظرة الجوهرية
النظرة الجوهرية إلى الحياة، التي اعتنقناها كلنا تقريبا منذ طفولتنا، والتي نعدها بالتالي «موقفا طبيعيا»، تعد الحياة جوهرا. ولكيلا يبدو تعبيرنا السابق هذا تحصيل حاصل مفرطا في السذاجة، فلننظر إلى لفظ «الجوهر» مؤقتا على أنه مرادف «للشيء». وهكذا يتضمن هذا الرأي اعتقادا بأن الحياة شيء، أو كيان، أو وجود مادي من نوع ما، على أن مفهوم الجوهر ينطوي عادة على شرطين منفصلين، فالجوهر لا بد أولا أن يكون قادرا على الوجود المستقل، وذلك على الأرجح حتى بعد أن تختفي جميع صفاته وخصائصه وتغدو عدما
1
والجوهر ثانيا لا بد أن يتصف بالدوام، بل إن هذا المعيار الثاني يصبح دائما هو المحك العملي للجوهرية. «ذلك لأن الطريقة الوحيدة التي نعرف بها أن الشيء قادر على أن يوجد وحده هي أن نلاحظ أنه يوجد في وقت ما في غياب الأشياء الأخرى التي يرتبط بها عادة. وهكذا فإن الشيء إن لم يكن يتصف بالدوام، لما أمكن أن يعد جوهرا. ونستطيع أن نتصور حالة يكون فيها الشيء دائما دون أن يكون جوهريا، ولكنه لا يمكن أن يكون جوهريا دون أن يكون دائما».
2
ومن الواضح أن «الدوام» لفظ نسبي. ولكنه يتضمن في استخدامه العملي ثباتا أو استقرارا بالنسبة إلى عمر الحياة البشرية. وهكذا تكون النجوم دائما على حين أن الزهرة ليست كذلك.
وهناك وسيلة أخرى لوصف النظرة الجوهرية إلى الحياة، هي القول إنها تعد الحياة «مادة
Stuff ». والواقع أن كثيرا من مجازاتنا الكلامية ينطوي على هذا المفهوم: فنحن نتحدث عن «إضاعة حياتنا» أو «تبديد المرء لحياته في ميدان القتال» أو «وهب حياتنا من أجل قضية» أو «إنفاق حياتنا في جهد عقيم»، بل إن كل لفظ يستخدم في الكلام عن الحياة، خارج معمل البيولوجيا، وربما خارج قاعة محاضرات الفلسفة، يكاد في كل الأحيان يكشف عن هذا الاتجاه إلى النظر إلى الحياة على أنها مادة أو شيء من نوع ما؛ تتصف بكل الدوام والاستقلال في الوجود، اللذين نربط بينهما عادة وبين شتى أنواع «الأشياء». وسوف نناقش في فصلنا الأخير عن مشكلة الخلود بعضا من الآثار المضللة للنظرة الجوهرية إلى الحياة (والنظرة الجوهرية إلى الذهن، وهي أسوأ من الخطأ السابق). وحسبنا في هذه المرحلة أن نشير إلى أن هذا الرأي يؤدي حتما إلى إيمان بالبقاء بعد الموت. ذلك لأن الحياة - كما يقال عادة - لا يمكن أن تختفي وكأنها لم تكن: «فالشيء» لا يحدث له ذلك، بل إن أقصى ما يحدث للأشياء هو أن تغير صورتها؛ ومن هنا كان من المعقول أن نفترض أن حياتنا ستستمر في صورة ما بعد الموت، على أن هذا موضوع سنعرض له فيما بعد بمزيد من التفصيل. (2) النظرة الوظيفية إلى الحياة
إن رد الفعل المعتاد للطلاب على أول تحد يصادفونه للنظرة الشيئية إلى الحياة، هو رد فعل يتسم بالدهشة الشديدة. فهم يتساءلون: «ماذا عسى أن تكون الحياة أن لم تكن شيئا من هذا القبيل؟ أليس وجود اسم هو «الحياة» دليلا على أن من الضروري وجود شيء جوهري يناظر هذا الاسم؟ إن اللفظ قطعا لا يدل على بدعة من صنع الخيال!»
صفحة غير معروفة