هوامش
الفصل الخامس
ماركس
نهاية الفلسفة
في النقاشات التي تشكل سياق أعمال كارل ماركس (1818-1883)، يبدأ الناس في الحديث لأول مرة عن «نهاية الفلسفة». لكن ماذا يعني ذلك؟ إن حل المشكلات الجوهرية للفلسفة هو أحد أساليب إنهاء الفلسفة، ويحاول هيجل فعل هذا عن طريق إعطاء إجابة ممنهجة لكيفية التغلب على الانقسامات بين الذات والموضوع. ولكن، ما دور الفلسفة إذا كان رأي هيجل نهائيا؟ فمن الأهمية بمكان أن هيجل كان يرى على أنه الميتافيزيقي المطلق، ومؤخرا أصبح يرى على أنه شخص يقدم مخرجا من الميتافيزيقا التقليدية. وهو يقوم بهذا عن طريق تقديم بديل لفكرة «المنظور الإلهي»، بمعنى أن العقل هو مجرد نتاج للعلاقات الاجتماعية. وفي الحقيقة، يمكن تأويل كلا الوجهين لهيجل على أنهما إنهاء للفلسفة، إما عن طريق فهم الشكل النهائي للميتافيزيقا فهما تاما، وإما عن طريق إظهار أن الميتافيزيقا الراسخة قائمة على سوء فهم لطبيعة علاقة العقل بالعالم.
ثمة طريقة أخرى لإنهاء الفلسفة؛ وهي النظر إلى «نهاية الفلسفة» على أنها هدفها، الأمر الذي ربما يمكن تحقيقه عن طريق تحقيق المنشود في فكرة «الحياة الطيبة»، ويمكن من خلال ذلك تفادي أسباب التساؤل عن معنى الحياة التي تنشأ عن إضعاف الاعتقادات اللاهوتية؛ فإنجازات الحياة الطيبة ستعوض هنا الألم الذي لا يمكن فصله عن الحياة الإنسانية. ومن زاوية أخرى، إذا فكر أحد - كما يفعل كل من ماركس ونيتشه - أن الميتافيزيقا هي في الحقيقة شكل مقنع من علم اللاهوت، فإن الهجوم على علم اللاهوت سيكون هجوما على الفلسفة. والهدف هنا هو فكرة تقديم وصف للعالم يتجاوز مجرد المنظور البشري، وسيظهر منهج ذو صلة بهذا الموضوع في القرن العشرين تحاول فيه الفلسفة التحليلية إظهار أن كثيرا من المشكلات الفلسفية هي «مشكلات زائفة» أحدثتها إخفاقات منطقية في استخدام اللغة. والسبيل إلى إنهاء الفلسفة هنا هو بيان أنها تتكون من أسئلة لا يمكن أن تكون لها أجوبة؛ لأنها غير صحيحة منطقيا.
شكل : كارل ماركس وكتابه «رأس المال».
1
لكن، لماذا ينبغي للأوصاف المقدمة لمعظم هذه الأفكار أن تصبح ملمحا للفلسفة الألمانية في القرن التاسع عشر، بدءا من الهجمات على فلسفة هيجل في ثلاثينيات القرن التاسع عشر فصاعدا؟ جزء من الإجابة يتمثل في أن الفلسفة أصبحت الآن مرتبطة ارتباطا واضحا جدا بالسياسة. ولم يكن كانط والمثاليون والرومانسيون الأوائل بمنأى عن السياسة؛ فقد أيدوا جميعا بعض جوانب الثورة الفرنسية على الأقل، وكتبوا في الفلسفة السياسية، لكنهم ربما لم ينقلوا مفهوما صريحا بأن النشاط السياسي يقع بالضرورة في صميم الفلسفة، وذلك بسبب الكبت الذي أخضعت له الرؤى السياسية الراديكالية من قبل الدول الألمانية. ومن الأسباب التي تؤكد على أهمية أن يوجد نوع جديد من الربط بالسياسة، ذلك الوعي الذي استهله هيردر وشليجل وهيجل بأن الفلسفة تخضع للتاريخ بطرق لم توضع موضع تقدير في السابق. وتؤكد التغيرات المربكة التي أحدثتها الثورة العلمية والتصنيع والتمدن، على أن فكرة وجود نظام عالمي مستقر قد وقعت فريسة لضغوط العالم التاريخي. ونظرا للوحشية التي تصاحب الرأسمالية الوليدة، فمن غير المستغرب أن يصبح الشك في الميتافيزيقا مرتبطا بفكرة أن الفلسفة ربما تكون متواطئة مع الظلم الاجتماعي.
ينتقد «الهيجليون الشباب» - وهم مجموعة من المفكرين يغلب عليهم الفكر اليساري، شملت لودفيج فويرباخ (1804-1872) وماركس في بداياته - هيجل، لكنهم لا يرفضون أفكاره رفضا تاما. وينصب تركيزهم المبدئي على الدين، على الرغم من أن هدفهم الرئيسي هو التحول الاجتماعي؛ حيث كان دخول مقاربات جديدة عن التاريخ إلى علم اللاهوت هو أحد التغيرات الحاسمة في علم اللاهوت في القرن التاسع عشر. ويثير هذا الأمر تساؤلات عن الأساس التاريخي للأناجيل، الذي تبين كونه متزعزعا بشدة؛ ومن ثم تصبح الحقيقة الأوسع للدين موضع شك أكبر. وأحد الردود على هذا الأمر هو فكرة أن قيمة الدين ربما لا تكمن في الحقيقة الحرفية للكتب المقدسة؛ إذ يمكن تفسير قيمة الدين على نحو هدام وآخر بناء. فمن جانب كونه وسيلة للسيطرة تعزز من التسلسلات الهرمية التقليدية، تكون قيمة الدين ضربا من «الأيديولوجيا» بالنسبة إلى الطبقات الحاكمة، ولكن من جانب كونه وسيلة لجعل الحياة أكثر احتمالا عندما يبدو التغيير مستحيلا، فإن الدين يبقي على الأمل بين المضطهدين . ولا يعني تعليق ماركس عن الدين باعتباره «أفيون الشعوب» أن الدين شيء يجعلهم مجرد نيام؛ بل إنه يجعل ألمهم محتملا. ولكن دون الدين تفقد كثير من أشكال السلطة ركيزتها مفسحة المجال لتغيرات اجتماعية راديكالية. ولكن، يجب أن يقدم هذا التغيير في الواقع نموذج الأمل الذي كان يقدم سابقا في الخيال.
صفحة غير معروفة