الفلك الدائر على المثل السائر (مطبوع بآخر الجزء الرابع من المثل السائر)
محقق
أحمد الحوفي، بدوي طبانة
الناشر
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
مكان النشر
الفجالة - القاهرة
لأجلها، فإنه حسن من وجه وقبيح من وجه، وليس يلزم من قبح الشيء من جهة ألا يكون حسنا من جهة أخرى، كما لا يلزم من كون سماع صوت العود حراما ألا يكون لذيذا.
٤٤- قال المصنف: والفصاحة مختصة بالألفاظ دون المعاني، لوجوه منها أن الفصيح هو المألوف الاستعمال، وإنما كان مألوف الاستعمال لحسنه، وحسنه يدرك بالسمع؛ لأنه أمر عائد إلى تركيب حروفه وخفتهما وتباعد مخارجها، والذي يدرك بالسمع يكون صوتا يأتلف من مخارج الحروف، وكل ما ليس بمسموع لا يكون فصيحا١.
أقول هذا الكلام يحتمل أمرين: أحدهما أن يجعل حد الفصاحة هي الألفاظ المألوفة الاستعمال، وإنما كانت مألوفة الاستعمال لخفتها وسلاستها. والآخر ألا يجعل ذلك حد الفصاحة، بل مراده تعليل اختصاص اللفظ بوصف الفصاحة، وكون المعاني لا يجوز أن توصف بالفصاحة.
فإن أراد الأول لم نضايق على ذلك؛ لأن لكل واحد أن يتكلم بما شاء، ويقول عنيت به كذا وكذا. وإن أراد الثاني وهو الظاهر من كلامه قيل له إن كان كثرة الاستعمال وسلاسة اللفظ توجب أن يسمى اللفظ فصيحا فليس
_________
١ المثل السائر ١/ ١١٥ وليست به هذه الجملة "وكل ما ليس بمسموع لا يكون فصيحا" بل ملخص قوله: إن الكلام الفصيح هو الظاهر البين، وأعني بالظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة؛ لأنها مألوفة الاستعمال بين أرباب النظم والنثر، وإنما كانت مألوفة الاستعمال لمكان حسنها؛ لأن أرباب النظم والنثر غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها، فاختاروا الحسن من الألفاظ فاستعملوه، ونفوا القبيح منها فلم يستعملوه، فحسن الألفاظ سبب استعمالها دون غيرها، واستعمالها دون غيرها لظهورها وبيانها، فالفصيح إذا من الألفاظ هو الحسن.
4 / 89