فإن قال صانع النعال خاصة، قيل له فأنت من الخاصة لا من العامة، وقد تبادر ذهنك إلى ما ليس بحقيقة أصلية؛ لأن كل صانع إسكاف عند العرب، وكتب اللغة كلها تشهد بذلك. وإن قال أردت كل صانع، قيل له لا تغالط، فإنك قلت من إسكاف وحداد ونجار وخباز، فجعلت الإسكاف صاحب صناعة مفردة كالنجار والحداد، ولو أردت العموم لقلت من حداد ونجار وخباز وغيرهم من الأساكفة، ولم تقل ذلك.
فإذا كان نص كلامك يشهد عليك أن ذهنك قد تبادر إلى الاصطلاح العرفي وهو قصر لفظة الدابة على هذا الحيوان المخصوص، فقد بطل قولك إنه لا يتبادر إلى أفهام الخاصة عند إطلاق كل لفظ إلا حقيقته لا غير.
٤٠- قال المصنف: والفرق بين الحقيقة والمجاز أن الحقيقة جائزة على العموم في نظائرها، كقولنا فلان عالم، يصدق على كل ذي علم، بخلاف: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ ١. لأنه لا يصح إلا في بعض الجمادات دون بعض؛ إذ المراد به أهل القرية؛ لأنهم ممن يصح السؤال عنهم، ولا يجوز أن يقال واسأل الحجر والتراب٢.
أقول: أما دعوى وجود اطراد الحقيقة ففيه كلام، فإنا قد رأيناها غير مطردة في مواردها، إما لأن العقل يمنع من ذلك، كلفظة الدليل عند من يقول إنه حقيقة في فاعل الدلالة، فإنه لما كثر استعماله في نفس