الفصل الأول في الأمور السّلطانيّة والسّياسات الملكيّة
أمّا الكلام على أصل الملك وحقيقته، وانقسامه إلى رياسات دينية ودنيوية، من خلافة وسلطنة، وإمارة وولاية، وما كان من ذلك على وجه الشرع وما لم يكن ومذاهب أصحاب الآراء في الإمامة، فليس هذا الكتاب موضوعا للبحث عنه، وإنّما هو موضوع للسّياسات والآداب التي ينتفع بها في الحوادث الواقعة، والوقائع الحادثة، وفي سياسة الرعيّة وتحصين المملكة، وفي إصلاح الأخلاق والسّيرة.
فأوّل ما يقال: إن الملك الفاضل هو الّذي اجتمعت فيه خصال وعدمت فيه خصال، فأمّا الخصال التي يستحبّ أن توجد فيه: فمنها العقل: وهو أصلها وأفضلها وبه تساس الدّول بالملك، وفي هذا الوصف كفاية.
ومنها العدل: وهو الّذي تستغزر به الأموال، وتعمر به الأعمال، وتستصلح به الرّجال:
ولما فتح السّلطان «هولاكو» [١] بغداد في سنة ستّ وخمسين وستّمائة، أمر أن يستفتي العلماء، أيّهما أفضل، السلطان الكافر العادل، أم السلطان المسلم الجائر؟ ثمّ جمع العلماء بالمستنصريّة [٢] لذلك، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب، وكان رضيّ الدين عليّ بن طاووس [٣] حاضرا هذا المجلس، وكان مقدّما، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا، ووضع خطّه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر فوضع الناس خطوطهم بعده.
ومنها العلم: وهو ثمرة العقل، وبه يستبصر الملك فيما يأتيه ويذره ويأمن الزلل في قضاياه وأحكامه، وبه يتزيّن الملك في عيون العامّة ويصير به معدودا في خواص الملوك.
_________
[١] هولاكو: فاتح مغولي، حفيد جنكيزخان، قضى على الخلافة العباسيّة في بغداد سنة/ ٦٥٦/ هـ. كسر وأباد جيشه المماليك في عين جالوت سنة/ ٦٥٨/ هـ. مات عام/ ٦٦٣/ هـ.
[٢] المستنصريّة: ضاحية معمورة أنشأها الخليفة المستنصر، واحتلها هولاكو سنة/ ٦٥٦/ هـ.
[٣] عليّ بن طاووس: من فقهاء بغداد في عهد المستعصم العباسي ولم نعثر له على ترجمة وافية
1 / 23