فإنه الكتاب الّذي يتعلّم منه الحكم والمواعظ، والخطب والتوحيد والشجاعة والزهد وعلوّ الهمّة، وأدنى فوائده الفصاحة والبلاغة، وعدل الناس إلى «اليمني» للعتبي [١]، وهو كتاب صنفه مؤلفه ليمين الدولة محمود بن سبكتكين [٢] يشتمل على سير جماعة من الملوك بالبلاد الشرقية، عبر فيه بعبارات حظها من الفصاحة وافر وصاحبها إن لم يكن ساحرا فهو كاتب ماهر، والعجم مشغوفون به مجدّون في طلبه وهو لعمري كتاب يشتمل على ظرائف حكم، وبدائع سير، مع ما فيه من فنون البلاغة، وأنواع الفصاحة، ولعلّ قائلا أن يقول: لقد بالغ في وصف كتابه، وحشا ما شاء في جرابه، والمرء مفتون بابنه وشعره، فإن اعتراه ريب فليتأمّل الكتب المصنّفة في هذا الفنّ، فلعله لا يرى فيها كتابا أجمع للمعنى الّذي قصد به من هذا الكتاب.
وهو أعزّ الله نصره [٣]، وسر بدوام السعادة سرّه، قد أغناه الله بالذّهن القاهر والفضل الباهر، عن هذا الكتاب وعن أمثاله، ولكنّ مهامّه الشّريفة ربّما أضجرته وأنسته، فإذا روّح فكره الشريف بالنظر فيه دفع به الملال، وتذكّر به ما أنسته الأشغال.
ومن ألطاف الله تعالى أسأل ألّا يخلي هذا الكتاب من فائدتين، إحداهما تخصّني: وهي أن يقع عنده بموقع الاستصواب، فأبرأ من عهدة الخجل، والأخرى تخصّه: وهي ألا يعدمه الانتفاع به في القول والعمل، إنه ولي كلّ نعمة ومسدي [٤] كلّ عارفة.
_________
[١] أبو نصر العتبيّ: مؤرخ عاش في خراسان له كتاب (اليمنيّ) في تاريخ محمود بن سبكتكين الغزنويّ. توفي/ ١٠٣٦/ م.
[٢] محمود بن سبكتكين الغزنويّ لقبه يمين الدولة هو ثالث ملوك الغزنويين وأشهرهم، كتب سيرته المؤرخ العتبي المذكور آنفا، توفي/ ١٠٣٠/ م.
[٣] المقصود بالدعاء عيسى بن إبراهيم أمير الموصل الّذي قدّم إليه المؤلف ابن طباطبا كتابه «الفخري في الآداب السلطانيّة» عام/ ٧٠١/ هـ.
[٤] أسدى العارفة أو المعروف: قدّم المعروف إلى غيره.
1 / 22