عشق المكارم فاستهام بذكرها ... والمكرمات قليلة العشّاق
وأقام سوقا للثناء، ولم تكن ... سوق الثناء تعدّ في الأسواق
فاذكر صنائعه فلسن صنائعا ... لكنهنّ قلائد الأعناق
والثم أنامله فلسن أناملا ... لكنّهن مفاتح الأرزاق
(كامل) وكأني بك أيها الناظر في هذا الكتاب قد استعظمت ما سمعت، فإن عرض لك الشّكّ فانظر أعيان هذا العصر، تجدهم يناقشون على الذرّة [١]، وتجده لا يلتفت إلى الدّرّة، وتجدهم يحرصون على اقتناء الذّخائر، وتجده لا يحرص إلّا على الذكر السّائر والصيّت الطائر، وتجدهم قد شغفتهم محبّة الأولاد، وتجده قد شغفته محبّة السؤّال والقصّاد، وتجدهم يهربون من المغارم [٢] وتجده يعدّها من أفضل المغانم ثمّ ارجع البصر تجد المدائح عندهم كاسدة، وتجدها عنده نافقة، وتأمّل تبصر المكارم لديهم جامدة وتبصرها لديه دافقة، وانظر بابه تجده عامرا بوفود الثناء غاصّا بالأدباء والشّعراء والفضلاء والفصحاء.
يسقط الطير حيث يلتقط الحبّ ... وتغشى منازل الكرماء [٣]
(خفيف) وتاللَّه ما الدنيا إلا دنياه، ولا العيش إلا عيشه الّذي أعطاه الله.
ما العيش أنّ يمسي الفتى ... متشبّعا ضخم الجزاره
العيش أنّ يشجي الفتى ... أعداءه، ويعزّ جاره
حتى يخاض [٤] ويرتجى ... ويرى له نشب وإ
ويروح إمّا للكتابة ... سعيه، أو للإماره
_________
[١] يناقشون على الذّرة: كناية عن البخل حتّى بالقليل كالذرّة.
[٢] المغارم: التكاليف والخسائر. وهنا: الإنفاق.
[٣] البيت لبشّار بن برد في مدح عقبة بن سلم بن قتيبة، ورواية الديوان:
يسقط الطير حيث ينتشر الحبس ... ب وتغشى منازل الكرماء
[٤] يخاض: يؤتى إليه ويقصد.
1 / 18