وبعد؛ فإلى أي حد تأثر العرب بالإسلام؟ وهل امحت تعاليم الجاهلية ونزعات الجاهلية بمجرد دخولهم في الإسلام؟ الحق أن ليس كذلك، وتاريخ الأديان والآراء يأبى ذلك كل الإباء فالنزاع بين القديم والجديد، وقل أن يتلاشى بتاتا؛ وهذا ما كان بين الجاهلية والإسلام، فقد كانت النزعات الجاهلية تظهر من حين إلى حين وتحارب نزعات الإسلام، وظل الشأن كذلك أمدا بعيدا، ولنقص طرفا من مظاهر هذا النزاع:
جاء الإسلام يدعو إلى محو التعصب للقبيلة، والتعصب للجنس، ويدعو إلى أن الناس جميعا سواء:
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وفي الحديث: «المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤكم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم أعلى يدا على من سواهم»، وخطب النبي
صلى الله عليه وسلم
في خطبة الوداع: «أيها الناس! إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء؛ كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى»، وروى مسلم أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: «من قاتل تحت راية عمية
10
يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل قتل قتلة جاهلية»، وآخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار بعد ما كان بين المكيين والمدنيين من عداء.
ومع كل هذه التعاليم لم تمت نزعة العصبية، وكانت تظهر بقوة إذا بدا ما يهيجها، انظر إلى ما روي في غزوة بني المصطلق أن رسول الله
صفحة غير معروفة