2 .
وقد ساعد قريشا على بلوغ هذه المنزلة موقعها الجغرافي، فقد ذكرنا أنها تقع في منتصف الطريق، وعين زمزم تستقي منها القوافل وتأخذ حاجتها من الماء، ولأن قريشا أهل الكعبة التي يدين العرب بعظمتها وتقديسها
لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
قال الزمخشري في الكشاف: «كانت لقريش رحلتان: يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون وكانوا في رحلتهم آمنين؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم، قال تعالى:
أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون .
كان التجار يخرجون بتجارتهم قوافل عظيمة، وقد رآها «سترابو» وشبه القافلة منها بجيش، وذكر الطبري أن قافلة من هذه القوافل بلغت خمس مئة وألف بعير، وقال ابن هشام في غزوة بدر: «ثم إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم، وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص»، وكانت هذه القوافل تخرج مع عظيم استعداد وكبير حيطة، تتقدمها الكشافة تتعرف ما في الطريق، والهداة يهدون السبيل، والحراس يخفرون القافلة.
وقد كان عرب الحيرة يتعهدون بحماية قوافل التجارة الفارسية عند مرورها في العرب في نظير جعل كبير يأخذونه من الفرس، ويروون أن الفرس مرة استكثروا هذا الجعل فأبوا دفعه، فهاجم العرب قافلة فارسية وهزموا حماتها، وكان هذا اليوم أحد أيام العرب المشهورة، ويسمى يوم ذي قار، وبه تغنى الشعراء، وعدوه نصرا للعرب على الفرس.
كانت القوافل التي تذهب من بلاد العرب إلى الشام تنزل في أسواق مدينة عينتها لهم الحكومة الرومانية لتحصل منهم الضرائب المفروضة على «الصادرات »، ولتراقب الأجانب الذين يقدمون بلادها، وكانت هذه القوافل أول ما تنزل في البلاد الرومانية تنزل في أيلة، وهي المعروفة اليوم بالعقبة، ومنها تذهب إلى غزة، وهناك تتصل بتجار البحر الأبيض، ومن غزة يذهب بعض التجار إلى بصرى.
صفحة غير معروفة