139

فجر الإسلام

تصانيف

ولماسرجويه من التصانيف كتاب قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها، وكتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها.

هذا وأمثاله كون حركة ثالثة هي التي سميناها بالحركة الفلسفية، ويدخل فيها ما رأيت من الجدل بين فرق النصارى والمسلمين، ولكنها على كل حال كانت أقل من الحركتين السابقتين.

وهناك حركة رابعة، هي الحركة الأدبية موضوعها قسم خاص من كتابنا هذا. •••

وهذه الحركات جميعا كانت تتساند ويعاون بعضها بعضا، فأصحاب المذاهب الدينية اعتمدوا في تعاليمهم على الفلسفة وتعاليم الكتب والسنة، والمفسرون والمحدثون والفقهاء كانوا يستعينون بالشعر والأدب على تفهم معاني القرآن والحديث، والمؤرخون والقصاص يستمدون بعض معلوماتهم من القرآن والحديث؛ وهكذا، وقل أن تجد في هذا العصر ما نسميه الآن تخصصا، فليس هناك عالم بالتفسير فقط، أو الحديث فقط؛ لأن هذا الدور إنما يكون بعد تنظيم البحث، وهو دور لم يصلوا إليه في هذا العصر.

وكذلك كانت الدروس فيها تفسير، وفيها حديث، وفيها فقه، وفيها لغة، وفيها جدال ديني.

والذي يظهر أن الأمويين لم يشجعوا من هذه الحركات الثلاث إلا الحركة الأدبية والقصص الرسمي، ففتحوا أبوابهم للشعراء والخطباء، وبذلوا لهم الأموال، وعينوا القصاص في المساجد، ولم يفعلوا شيئا من ذلك للعلماء والفلاسفة، ولعل السبب في ذلك أمران: (الأول):

أن حكم الأمويين بني على الضغط والقهر، فكانت حاجتهم إلى الشعراء والقصاص أشد؛ لأنهم هم الذين يبشرون بهم، ويشيدون بذكرهم، ويقومون في ذلك مقام الصحافة لأحزابها؛ ومن أجل هذا لم يكن ينال الحظوة عند خلفاء بني أمية إلا من كان مادحا لهم، فأما الشعراء العلويون والزبيريون ونحوهم فيحمدون الله أن سلموا منهم . (الثاني):

أن نزعة الأمويين نزعة عربية جاهلية لا تتلذذ من فلسفة، ولا من بحث ديني عميق، إنما يلذ لها الشعر الجيد، والخطبة البليغة، والحكمة الرائعة، قال المسعودي: «كان عبد الله بن مروان يحب الشعر والفخر والتقريظ والمدح، وكان عماله على مثل مذهبه»، وشأن أكثر بني أمية شأن عبد الملك؛ نستثني منهم خالد بن يزيد بن معاوية، فقد كان له نزعة فلسفية - كما أسلفنا - فوق نزعته الأدبية، قال فيه الجاحظ في البيان والتبيين: «وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا، وفصيحا جامعا، وجيد الرأي، كثير الأدب، وكان أول من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء».

كما نستثني عمر بن عبد العزيز، فقد كانت نزعته دينية وقد شقي به الشعراء؛ دخل عليه المصيب بعد ما ولي الخلافة، فقال له: إيه يا أسود أنت الذي تشهر النساء بنسيبك؟ فقال: إني تركت ذلك يا أمير المؤمنين، وعاهدت الله ألا أقول، وشهد له بذلك من حضر فأعطاه.

إذا عدونا هذين (خالدا وعمر) لم نجد كبير أثر للأمويين في تشجيع الحركة الفلسفية والدينية والتاريخية، كالذي نجده للعباسيين مثلا؛ ومع هذا فقد نشطت هذه الحركات من نفسها، أما الحركة الدينية فللباعث الديني، وكان قويا إذ ذاك؛ وأما الحركة الفلسفية فلأن الدين في آخر عهد الأمويين اضطر إلى استخدام الفلسفة لمجادلة اليهود والنصارى، ولمحاربة الفرق الإسلامية بعضها لبعض، وأما الحركة التاريخية، فلما كان لها من صبغة دينية.

صفحة غير معروفة