111

فجر الإسلام

تصانيف

ولما فتح المسلمون هذه البلاد في القرن السابع الميلادي أسلم بعض السريانيين، وظل بعضهم محافظا على دينه يدفع الجزية، ولكن الآداب السريانية على الجملة أخذت في الضعف، ومع ذلك فقد نبغ كثير منهم في العصر الأموي والعباسي، وظلت المدارس السرياينة مفتوحة في عهد الدولة الأموية كما كانت، ولم يكن الخلفاء والأمراء يتدخلون في شئونهم إلا عندما يحتدم النزاع الديني بينهم فيلجأ بعضهم إلى الولاة يستنصرهم.

واشتهر من هؤلاء في العصر الأموي يعقوب الرهاوي (640-708م تقريبا) وقد ترجم كثيرا من كتاب الإلهيات اليونانية، وليعقوب هذا أثر كبير الدلالة، فقد أثر عنه أنه أفتى رجال الدين من النصارى بأنه يحل لهم أن يعلموا أولاد المسلمين التعليم الراقي، وهذه الفتوى تدل من غير شك على إقبال بعض المسلمين في ذلك العصر على دراسة الفلسفة عليهم ، وتردد النصارى أولا في تعليمهم.

ولما جاء دور نقل الفلسفة والعلوم إلى العربية في العهد العباسي، كان لهؤلاء السريانيين الفضل الأكبر في الترجمة، أمثال حنين بن إسحاق، وابنه إسحاق، وابن أخته حبيش، مما نعرض إليه في موضعه إن شاء الله.

الآن نستطيع أن نفهم أن الثقافة اليونانية كانت منتشرة في العراق والشام والإسكندرية، وأن المدارس انتشرت فيها على يد السريانيين، وأن هذه المدارس وهذه التعاليم أصبحت تحت حكم المسلمين، وامتزج هؤلاء المحكومون بالحاكمين على الشرح الذي شرحته، فكان من نتائج هذا أن تشعت هذه التعاليم في الملكة الإسلامية، وتزاوجت العقول المختلفة، كما تزاوجت الأجناس المختلفة، فنتج من هذا التزاوج الثقافة العربية أو الإسلامية، ونتجت المذاهب الدينية والفلسفة الإسلامية والحركات العلمية والفنون الأدبية.

والعرب أنفسهم اتصلوا بهذه الثقافات من قديم؛ فالقفطي في كتابه «أخبار الحكماء» يحدثنا «أن الحارث بن كلدة كان من ثقيف من أهل الطائف، رحل إلى أرض فارس، وأخذ الطب عن أهل تلك الديار من أهل جنديسابور وغيرها في الجاهلية قبل الإسلام، وجاد في هذه الصناعة، وطب بأرض فارس، وعالج، وشهد أهل بلد فارس - ممن رآه - بعلمه، واشتهر طبه بين العرب، وكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته، وسمية مولاته هي أم زياد بن أبيه».

وابن أبي أصيبعة يقول في كتابه «طبقات الأطباء»: إن النضر بن الحارث بن كلدة ابن خالة النبي

صلى الله عليه وسلم

سافر البلاد كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها، وعاشر الأحبار والكهنة، واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر، واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة، وتعلم من أبيه أيضا ما كان يعلمه من الطب وغيره، وكان النضر يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي

صفحة غير معروفة