14 «ينام ولكن لا يموت قط.»
وقد نجح الأستاذ «زيته» في ترجمة فقرة مهشمة في الأنشودة الكبرى فأظهر معناها بأنها بالرغم من أن الظلمة قد خيمت والناس قد نامت فإن «إخناتون» يمكنه أن يشعر به، حيث يقول: «ومع ذلك فإنك لا تزال في قلبي.»
فتلك الناحية من حركة «إخناتون» تدل إذن على أنها إنجيل الجمال والرأفة في نظام الطبيعة، وإدراك لرسالة الطبيعة إلى روح الإنسان، مما جعلها تعتبر أقدم النهضات التي نسميها «الرجوع إلى الطبيعة»، وهي التي ظهرت في إنتاج أمثال الفنانين «ملت»
Millet
و«بربيزون»
Barbizon ، أو في آراء «وردزورث»
Wordsworth
وأخلافه، فالرسامون في ذلك الوقت كانوا يصورون حياة المستنقعات البرية بروح جديدة تختلف عن روح السرور الهادئ الذي صور به رسامو «مصاطب الأهرام»، تلك الصور الهادئة التي تمثل نزهات الأشراف في حقول البردي، مما تتحلى به جدران مزارات قبورهم بالجبانة المنفية الكائنة «بسقارة».
وأما الصور التي رسمت فوق الجص وتزين رقعة قاعة قصر «إخناتون» ذات الأعمدة «بتل العمارنة»، فمفعمة بروح مرح جديدة تسود الحياة، وتشعرنا عند رؤيتها بشيء من العاطفة القوية التي أنارت يد الفنان، وهو يرى بعيني ذهنه الثور الوحشي يقفز في أدغال البردي ضاربا برأسه نحو الطيور الهلوعة المشقشقة فوق يراع المستنقع كأنها تؤنب ذلك الطفيلي الفظ الذي ينزل الضرر بأوكارها.
ولكن مما يؤسفنا أشد الأسف أن تلك النقوش الفاخرة التي كانت تتألق فيها الحياة والحركة، والتي طالما تمتعت بهما أعين الناظرين في عصرنا الحالي «بتل العمارنة»، قد دمرت إلى الأبد بأيدي أولئك المخربين الأحداث من أهالي القرى المجاورة لبلدة «تل العمارنة».
صفحة غير معروفة